حكم الصلاة بعد العصر

منذ 2012-07-19
السؤال:

ما الحكم شرعًا في مَن أراد أن يتصدَّق على جماعةٍ (بالصلاة) أرادتْ أن تصلي بعد الجماعة الكبرى وكان هذا بعد صلاة العصر؟ هل له أن يُصَلّي معهم صدقة، أم يلتزم الحديث أنه لا صلاة بعد العصر إلا المكتوبة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقدْ سَبَقَ أنْ بَيَّنَّا أنَّ الرَّاجِحَ من قَوْلَيْ أهل العلم هو مشروعيةُ صلاةِ ذوات الأسباب في أوقات النَّهْيِ في فتوى "حكم صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة".

ومن الصلوات ذوات الأسباب التي تجوز في أوقات الكراهة: إعادة الصلاة إِذَا أُقِيمتْ فِي المسجد، أوِ التَّصَدُّق على مَن يُصلّي جماعةً ثانية؛ فَقَدْ روى أحمدُ وأبو داود عن أبى سعيد الخدري أنَّ رَجُلاً دَخَلَ المسجد، وقَدْ صلَّى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "" فقام رجلٌ منَ القوم فصلَّى معه، ورَوَاهُ أَحْمَدُ والطبرانِيُّ عن أبي أُمامة أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم رأى رجُلًا يُصَلّي وحْدَهُ فقال: ""، وهو نصٌّ في استحباب تَكرار الجماعة في مسجِدٍ قد صُلِّي فيه؛ قال الإمامُ أبو القاسم الرافعيُّ في "شرح الوجيز": "ولَوْ صلَّى في جماعة ثُمَّ أدْرَكَ أُخرى أعادَها مَعَهُم على الأصح، كما لو كان منْفَرِدًا لإطلاق الخبر". يعني حديث يزيد بن الأسود الآتي.

قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية: "والمُعادةُ - إذا أقيمتِ الصَّلاةُ وهو في المسجد - تُعادُ فِي وَقْتِ النهي عند الجمهور؛ كمالكٍ والشافِعِيّ وأحمد وأبي ثور وغيرهم.

وأبو حنيفة وغيرُه جعلوها مِمَّا نُهِيَ عنْهُ.

واحتجَّ الأكثرون بثلاثةِ أحاديثَ؛ أحدُها: حديثُ جابرِ بنِ يزيدَ بنِ الأسودِ عن أبيه قال: "شهِدْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حَجَّته فصلَّيتُ مَعَهُ صلاةَ الفَجْرِ فِي مَسجِدِ الخيف، وأنا غلامٌ شابّ، فلمَّا قضى صلاتَه إذا هو بِرَجُليْنِ في آخِرِ القَوْمِ لَم يُصَلِّيَا معه، فقال: "" فأُتِيَ بِهما ترعد فرائصُهما، فقال: "" قالا: يا رسول الله، قد صلَّينا في رِحالنا. قال: "" (رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وغيرِهما وأحمد والأثرم).

والثاني: ما رواه مالك في "الموطَّأ" عَنْ زيد بن أسلم عن بشر بن مِحجن عن أبيه، أنَّه كان جالسًا مع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم فأُذِّن لِلصلاة، فقام رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فصلَّى ثُمَّ رَجَعَ ومِحجنٌ فِي مَجْلِسِه، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "" قال: بَلَى يا رسول الله، ولكن قد صلَّيْتُ في أهْلِي، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "".
وهذا يدُلّ بِعُمومه، والأوّل صريحٌ في الإعادة بعد الفجْر.

الثالث: ما رَوى مُسلمٌ في الصحيح عن أبي ذر قال: قال لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم: "" قال: قُلْتُ: فما تأمرُنِي؟ قال: "" وفي رواية: "".

وهذه النُّصوصُ تَتَناوَلُ صلاةَ الظُّهر والعَصر قطعًا؛ فإنَّهما هما اللَّتانِ كان الأمراءُ يُؤخّرونَهما، بِخلاف الفجر فإنَّهم لم يكونوا يُصَلّونَها بعد طُلوع الشمس، وكذلك المغرب لم يَكُونُوا يُؤَخّرونَها ولكن كانوا يؤخِّرُون العصرَ أحيانًا إلى شُروع الغروب، وحينئَذٍ فَقَدْ أَمَرَهُ أن يُصلّي الصلاةَ لوقتها ثم يصلّيها مَعَهُم بعد أن صلاّها ويجعَلَها نافلةً، وهُو في وَقْتِ نَهْيٍ لأنه قد صلى العصر؛ ولأنَّهم قد يؤخّرون العصرَ إلى الاصفرار؛ فهذا صريحٌ بِالإعادة في وقتِ النهي". اهـ بِاخْتِصارٍ يَسير.

قال أبو مُحَمَّد بْنُ حَزْمٍ: "وأمَّا إعادةُ مَنْ صلَّى إذا وَجَدَ جماعةً تُصَلّي تلكَ الصَّلاةَ، فإنَّ ذلكَ مُسْتَحَبٌّ -مكروهٌ تركُه- فِي كل صلاة، سواءٌ كان صلَّى مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ أو في جماعة، ولْيُصَلِّها ولو مرَّات كلَّما وجد جماعةً تُصَلّيها".

ثُمَّ احتجَّ بِحَديثِ أَبِي ذَرٍّ السابِقِ ثُمَّ قال: "فَهَذَا عُمومٌ مِنْهُ صلَّى اللَّه عليْهِ وسلَّم لِكُلّ صلاة، ولِمَنْ صلاها في جماعةٍ أو منفردًا، لا يَجُوزُ تخصيصُ شيْءٍ مِنْ ذلك بِالدَّعْوَى بِلا دليل".

ثُمَّ حكاهُ عن جماعةٍ منَ السَّلف، منهم: أبو ذَرٍّ وسعيد بنُ المسيَّب والشَّعبيّ، وعَنْ صلةَ بْنِ زُفَرَ العَبْسِيّ قال: "خرجتُ معَ حُذَيْفَةَ فَمَرَّ بِمَسْجِدٍ فَصلَّى مَعَهُمُ الظُّهْرَ -وقد كان صلى- ثُمَّ مرَّ بِمَسجدٍ فَصَلَّى معَهُمُ العَصْرَ، وقد كان صلَّى، ثُمَّ مرَّ بِمَسجدٍ فصلَّى مَعَهُمُ المَغْرِبَ وشفَع بِرَكْعَةٍ، وكانَ قَدْ صلَّى"، وعن قتادَةَ قال: "يُعِيدُ العصرَ إذا جاءَ الجماعة"،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام