استنشاق القَهْوة والدهن للصائم
الجلوس عند مَن يطحنُ القَهْوة، أو النَّجَّار، أو الدَّهَّان، أو ... من هذه الأمور، هل هي مفطِّرة؟ ثم ما حكم صيام صاحب الفعل؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ اشتنشاقَ الصائم للقهوةِ، أو الدهن، أو العُطور، أو تبخُّره بالعود، ولو ضمَّه إلى نفسه، واشتمَّ دُخانه - لا يفسد صومه، ولو تعمَّد استنشاقه؛ لأنَّه لا يحصل للدِّماغ به قوَّة، كالتي تحصل له من الأكْل، ومذهب الشَّافعيَّة: أنَّه لو فتح فاهُ عمدًا حتَّى دخل الغُبار في جوفِه، لم يُفْطِر على الأصحِّ.
ومذهبُ الحنابلة: الإفطار بابتِلاع غربلة الدَّقيق وغبار الطَّريق إن تعمَّده، أمَّا شمُّ رائحةِ البخور ونحوِه بلا وصول دُخَانِه إلى الحلْق، فلا يُفطِّر، ولو جاءته الرَّائحة واستنشقها؛ لأنَّ الرَّائحة لا جسمَ لها.
قال شيخ الإسلام: "فإنَّ الصيام من دين المسلمين، الذي يَحتاج إلى معرِفته الخاصُّ والعامُّ، فلو كانت هذه الأمور مِمَّا حرَّمها الله ورسولُه في الصيام، ويفسُد الصوم بِها - لكان هذا مما يَجب على الرَّسول بيانُه، ولو ذَكَر ذلك، لعَلِمه الصَّحابة وبلَّغوه الأمَّة، كما بلَّغوا سائرَ شرعِه، فلمَّا لم ينقُل أحد من أهْلِ العلم عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك: لا حديثًا صحيحًا، ولا ضعيفًا، ولا مسندًا، ولا مُرسلاً - عُلِمَ أنَّه لم يذكُر شيئًا من ذلك".
وقال: "الأحكامُ التي تَحتاجُ الأمَّة إلى معرفتِها لا بدَّ أن يبيِّنَها الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بيانًا عامًّا، ولا بدَّ أن تنقلَها الأمَّة، فإذا انتفى هذا، عُلِمَ أنَّ هذا ليس من دينِه، وهذا كما يُعلَم أنَّه لم يفرِض صيامَ شهْرٍ غيْر رمضان، ولا حجَّ بيتٍ غير البيت الحرام، ولا صلاةً مكتوبةً غير الخَمس، ولم يوجِب الغسْل في مُباشرة المرأةِ بلا إنزال، ولا أوْجَب الوضوء من الفزَع العظيم -وإن كان في مظنَّة خروج الخارج- ولا سنَّ الركعتين بعد الطَّواف بين الصَّفا والمروة، كما سنَّ الركعتين بعد الطَّواف بالبيت ... فمعلومٌ أنَّ الكحْل ونَحوه مما تعمُّ به البلوى، كما تعمُّ بالدُّهْن والاغتِسال، والبخور والطِّيب، فلو كان هذا مما يفطِّر، لبيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كما بيَّن الإفْطار بغيره، فلمَّا لم يبيِّن ذلك، علِم أنَّه من جنس الطِّيب والبخور والدهْن، والبخورُ قد يتصاعد إلى الأنْف، ويدخُل في الدماغ، وينعقِد أجسامًا، والدهن يشربُه البدن، ويدخل إلى داخلِه، ويتقوَّى به الإنسان، وكذلك يتقوَّى بالطيب قوَّة جيِّدة، فلمَّا لم ينْهَ الصَّائمَ عن ذلك، دلَّ على جواز تطييبه وتبخيره وادِّهانِه، وكذلك اكتِحاله". اهـ.
ولمزيد فائدة تراجع فتوى: "حكم شم الطيب والعود للصائم"، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: