حكم خروج المذي من الصائم
قبل عشر سنوات تقريبًا، صلَّيتُ الفَجْرَ في شهر رمضان، ثُمَّ انتظرتُ حتَّى طلَع الصُّبح، ثُمَّ ذهبت إلى سريري فقُمْتُ بالعَبَثِ بذَكَري، فثارت شهوتي وقرُب إنزال المنيّ، ولكن تذكَّرتُ وتوقَّفتُ، فخرج ماء دافئ من ذَكَرِي ليس بِمَني، ولكنَّه الماء الذي قبل المني، وذلك بِجهل مني وطيش؛ لأنّي وقتَها لم أكن متصوِّرًا أنَّ العَبَثَ بِالذَّكَرِ قد يُفْسِد الصِّيام وتوقَّعتُ أن الجِماع فقط هو الذي يُفسد الصيام، فهل بطل صيامي؟ وهل عليَّ شيء؟ وهل أصومُ شهريْنِ مُتتالييْنِ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالَّذي يظهَرُ أنَّ الذي خرج منكَ هو المَذْيُ؛ وهو ماءٌ أبيضُ رقيقٌ يَخرج عند ثورانِ الشَّهوة، قال النووي في "المجموع": "أمَّا المَذْيُ فهو ماء أبيضُ رقيق لَزِج يَخرج عند شهوة لا بِشعور ولا دَفْق ولا يعقُبه فتور، وربَّما لا يُحس بِخروجه، ويَشترك الرَّجُل والمرأةُ فيه، قال إمام الحرمَيْنِ: إذا هاجتِ المرأة خرج منها المَذْيُ وهو أغلبُ فيهنَّ من الرجال" انتهى.
وقد ورد في فتاوى اللجنة الدَّائمة للبحوث والإفتاء: "الفَرْقُ بيْنَ المنِيِّ والمَذْي: أنَّ المنيَّ من الرَّجُل ماءٌ غليظ أبيض، ومن المرأة رقيقٌ أصفر، وأمَّا المذي فهو ماء رقيق أبيضُ لزِج يَخرج عند الملاعبة، أو تذكُّر الجماع، أو إرادته، أو نظر، أو غير ذلك، ويشترك الرجُل والمرأة فيه" اهـ.
ولمزيدٍ من التَّفصيل تُراجَعُ فتوى: "ما أثر المذي في الطهارة؟" للَّجنة الدائمة.
وقدِ اخْتَلَفَ العُلماءُ في إبطالِ الصَّوم بِخُروج المذْيِ في نَهار رمضان، وأصحُّ قولَيِ العلماء أنَّه لا يُبْطِل الصَّوم، وهو مَذهبُ أبي حنيفةَ والشَّافعي ورواية عن أحمد رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية، والصحيح من مذهب الحنابلة والمالكية أنه يفسد الصوم.
وقال الشيخ ابن باز رحِمه الله: "خروج المذْيِ لا يُبْطِل الصَّوم في أصحِّ قولَيِ العُلماء؛ سواءٌ كان ذلك بسبب تقبيلِ الزَّوجة، أو مُشاهدة بعض الأفلام، أو غير ذلك مِمَّا يثيرُ الشَّهوة، ولكن لا يَجوزُ لمسلمٍ مُشاهدة الأفلام الخليعة، ولا استماعُ ما حرَّم الله من الأغاني، وآلات اللهو، أمَّا خروج المنيّ عن شهوة فإنَّه يُبْطِل الصَّوم سواءٌ حصَلَ عن مُباشرةٍ، أو قُبْلة، أو تَكرار النَّظر، أو غير ذلك من الأسباب التي تُثِيرُ الشَّهوة؛ كالاستمناء ونَحوه، أمَّا الاحتلام والتَّفكير فلا يَبْطُل الصَّوْمُ بِهِما ولو خرج منيٌّ بسبَبِهما" اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع": والصواب أنَّه إذا باشر فأمذى، أوِ استَمْنى فأمذى أنَّه لا يفسد صومُه، وأنَّ صومَه صحيح، وهذا اختيارُ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والحُجَّة فيه عدم الحُجَّة (أي عدم الحجَّة على أنَّ نزول المذي مفسدٌ للصيام)، لأنَّ هذا الصَّوم عبادةٌ شَرَعَ فيها الإنسان على وجهٍ شرعي فلا يُمْكِن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل" اهـ.
وعليه؛ فصيامك صحيح وليس عليك قضاءٌ ولا كفَّارة، ولكن يَجِبُ عليك الاستغفار والتَّوبة إن كنت تتعمد الاستمناء، وعلى المسلم أن يعلم أنَّ حُرمة الصيام توجبُ عليه أن يَمتَنِعَ عن كلِّ المُحرَّمات؛ لأنَّ الاستِمْناء مُحَرَّم في كل وقت وهو في رمضان أشدُّ تَحريمًا، وراجع الفتوى "حكم الاستمناء في نهار رمضان"،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: