حكم اعتكاف النساء فى المسجد

منذ 2012-08-03
السؤال:

هل يجوز للنساء الاعتكاف فى المسجد؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمّا بعدُ:

فإنَّ اعتكافَ النِّساء في المساجد من الأعمال المشروعة، والدليل عليْهِ ما رواه البخاريُّ ومسلمٌ من طريق عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ: "": فدل ذلك على أن الاعتكاف مشروع للرجال والنساء.

وعنها أيضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنها قالَتْ: "". وفي رواية للبخاري: "".

قال النَّوَوِيُّ: "وَفِي هَذا الحَدِيث دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اعْتِكاف النِّساء؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ أَذِنَ لَهُنَّ، وَإِنَّما مَنَعَهُنَّ بَعْد ذَلِكَ لِعارِضٍ، وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَته مِنَ الاعْتِكاف بِغَيْرِ إِذْنه، وَبِهِ قالَ الْعُلَماء كافَّة". انتهى.

ولْيُعْلَمْ أنَّ هناكَ شَرْطَيْنِ أساسيَّيْنِ لِصِحَّةِ اعْتِكافِ الْمَرْأَةِ؛ وهُما:
1- إذن الزوج وموافقته لجواز اعتكاف الزوجة، وكذا غير المتزوجة فلا بد من موافقة وليِّها؛ ويشهد لهذا رواياتُ الحديث ففي رواية: "" و‏‏في رواية الأوزاعي: ""، وفي رواية: "".

قال الحافظُ ابْنُ حَجَرٍ في الفتح: "قال ابن المُنْذِرِ وغيرُه: في الحديث أنَّ المرأة لا تعتكف حتى تستأذن زَوْجَها، وأنَّها إذا اعتكفتْ بِغَيْرِ إِذْنِه كان له أن يُخْرِجَها, وإن كان بإذنه فله أن يرجعَ فيمنعها. وعن أهل الرأي: إذا أذِنَ لها الزوج ثم مَنَعَها أثِمَ بذلك وامتنعتْ, وعن مالكٍ ليس له ذلك, وهذا الحديث حُجَّةٌ عليهم". اهـ.

2- أمْن الفتنة؛ فلا يصحُّ اعتكافُ المَرْأَةِ فِي مَسْجدٍ لا يُوجَدُ فيهِ مكانٌ خاصٌّ بالنساء؛ لأنها حينئذ ستختلط بالرجال، وهذا فيه مَفاسدُ تُنافي الحكمةَ منَ الاعتكاف، ومنَ المعلوم أنَّ دَرْءَ المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح.

ولا يُشترط لصِحَّة اعتكاف المرأة أن يكون في مسجدٍ تقام فيه الجمعة ولا الجماعة؛ لأنهما ليستا واجبتين على المرأة.

قال ابن قُدامةَ: "وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَلا يُشْتَرَطُ إقامَةُ الْجَماعَةِ فِيهِ؛ لأَنَّها غَيْرُ واجِبَةٍ عَلَيْها، وَبِهَذا قالَ الشّافِعِيُّ، وَلَيْسَ لَها الاعْتِكافُ فِي بَيْتِها.

وَقالَ أَبُو حَنِيفَةَ، والثَّوْرِيُّ: لَها الاعْتِكافُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِها، وَهُوَ الْمَكانُ الَّذِي جَعَلَتْهُ للصَّلاةِ مِنْهُ، واعْتِكافُها فِيهِ أَفْضَلُ؛ لأَنَّ صَلاتَها فِيهِ أَفْضَلُ".

قال ابن قدامة: وَلَنا قَوْلُه تَعالى: {} [البقرة: 187].

والْمُرادُ بِهِ الْمَواضِعُ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلاةِ فِيها، وَمَوْضِعُ صَلاتِها فِي بَيْتِها لَيْسَ بِمَسْجِدٍ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِلصَّلاةِ فِيهِ، وَإِنْ سُمِّيَ مَسْجِدًا كانَ مَجازًا، فَلا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكامُ الْمَساجِدِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "".

وَلأَنَّ أَزْواجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَّهُ فِي الاعْتِكافِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَذِنَ لَهُنَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لاعْتِكافِهِنَّ، لَما أَذِنَ فِيهِ، وَلَوْ كانَ الاعْتِكافُ فِي غَيْرِهِ أَفْضَلَ لَدَلَّهُنَّ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَهُنَّ عَلَيْهِ، وَلأَنَّ الاعْتِكافَ قُرْبَةٌ يُشْتَرَطُ لَها الْمَسْجِدُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، كالطَّوافِ، وَحَدِيثُ عائِشَةَ حُجَّةٌ لَنا؛ لِما ذَكَرْنا، وَإِنَّما كَرِهَ اعْتِكافَهُنَّ فِي تِلْكَ الْحالِ، حَيْثُ كَثُرَتْ أَبْنِيَتُهُنَّ، لِما رَأَى مِنْ مُنافَسَتِهِنَّ، فَكَرِهَهُ مِنْهُنَّ، خَشْيَةً عَلَيْهِنَّ مِنْ فَسادِ نِيَّتِهِنَّ، وَسُوءِ الْمَقْصِدِ بِهِ، وَلِذَلِكَ قالَ: "" مُنْكِرًا لِذَلِكَ، أَيْ لَمْ تَفْعَلْنَ ذَلِكَ تَبَرُّرًا، وَلِذَلِكَ تَرَكَ الاعْتِكافَ، لِظَنِّهِ أَنَّهُنَّ يَتَنافَسْنَ فِي الْكَوْنِ مَعَهُ، وَلَوْ كانَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ، لأَمَرَهُنَّ بِالاعْتِكافِ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ". "المغني"،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام