المسحور بين المؤاخذة وعدمها

منذ 2012-09-05
السؤال:

هل الإنسانُ مُحاسبٌ على ما يفعله حالَ ما يكون مسحورًا؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فمِنَ المعلوم بدلالة الحِسِّ والمُشاهدة أنَّ السِّحر له تأثيرٌ على المسحور، وقد دلَّ عليه أيضا الكتابُ والسُّنَّة والإجْماع؛ قال اللهُ تعالى: {} [البقرة: 102]، وفي الصحيحين عن عائشةَ أنَّها قالتْ: "سُحِرَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى كان يُخَيَّل إليْهِ أنَّه يفْعَلُ الشَّيْءَ وما يَفعَلُه"، وفي رواية لِلبُخاري: "يُخيَّل إليه أنَّه يأْتِي أهلَه ولا يأتي"، ويتغيَّر تأثيرُ السِّحر على الإنسان بِحَسَبِ قوَّتِه.

ولكنْ لمَّا كانتْ أحوال المبتَلين بالسحر تَختلف من شخص لآخَرَ، فيختلف تبعا لذلك المؤاخذة بالأفعال أو عدم المؤاخذة:

فإن كان الشخصُ المسحور يَعِي ما يقولُه أو يفعله، وله اختيار وقصد وإنَّما تأتيه أشياءُ من جنس الخواطر ولا يثبُت عليها فإنَّه يؤاخَذُ بها شرعًا.

وأمَّا إن كان مغلوبًا ولا يعي ما يقول، أو يفعَل، ولا قَصْدَ له فيه، فلا مؤاخَذة عليه إن شاء الله تعالى؛ لأنَّه أشْبَهَ النَّاسيَ أوِ الذَّاهِلَ أو المُكْرَه على الفعل وأحيانًا يكون أشبه بالمجنون؛ قال الله تعالى: {} [الأحزاب: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: "" (رواه ابن ماجه وابن حبَّان).

وثبت أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "" (رواه أبو داود عن علي بن أبي طالب).

ومِنَ المقرَّر في الشريعة أنَّ العَقْلَ مناطُ التَّكليف، فإذا غُيبَ العقْلُ بِسِحْرٍ أوْ غَيْرِه ارْتَفَعَ التَّكليف.

قال ابن قدامة: "أجمع أهل العلم أنَّ الزائل العقل بغير سُكْرٍ أو ما في معناه، لا يَقَعُ طلاقُه".

وعليه؛ فإذا أزالَ السِّحرُ العقلَ، أو سَلَبَ الإرادة والقَصْدَ، فلا يُعْتَدُّ بِما صدر من المسحور من أفعال وأقوال؛ لفقده العَقْلَ الذي هو مناطُ التكليف، وأمَّا إذا لم يُفْقِدْه السحر عَقْلَه فإنه يكون مؤاخَذًا بأفعالِه، وإنْ كان يُسْلَبُ أحيانًا ويُفيقُ أحيانًا أُخْرى فيؤاخَذ حالَ الإفاقة دون غيْرِها،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام