حكم من نذر أن يسمي ابنه باسم ولم يسمِّه
ما حكم شخصٍ نذر بأن يسمِّي مولودًا باسم، ثم لَم يسمِّه بالاسم الذي نذره؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فنذر الرجل تسْمية ولده باسم معيَّن يعرف عند أهل العلم بنذر المباح، وقدِ اختلف الأئمة في انعِقاد نذر المباح، كما اختلفوا أيضًا في وجوب الكفَّارة فيه إن لم يوف بنذره.
فذهب الحنابلة إلى أنَّه نذر منعقِد، ويُخيَّر صاحبه بين الوفاء أو كفَّارة اليمين؛ قال ابن قدامة في "المقنع": "نذْرُ المباح، كقول: "لله عليَّ أن ألبَس ثوبي، أو أركَبَ دابَّتي"، فهذا كاليمين، يتخيَّر بين فعلِه وبين كفَّارة يمين".
وقال المرداوي في "الإنصاف": "وهذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب".
وذهب الجُمهور من المالكيَّة والشافعيَّة والحنفيَّة إلى أنَّه لا ينعقد أصلاً؛ ومن ثمَّ لا تجب فيه كفَّارة حنثٍ، قال ابن نُجيم في "البحر الرائق": "ولا يلزَمُه بنذْرِ مُباحٍ من أكلٍ وشربٍ ولبس وجِماع.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين": "وهل يكون نذْر المباح يَمينًا تُوجب الكفَّارة عند المُخالفة؟ فيه ما سبق في نذْر المعاصي والفرْض، وقطع القاضي بوجوب الكفَّارة في المُباح، وذكر في المعصية وجهين، وعلَّق الكفارة باللَّفظ من غير حنث، وهذا لا يتحقَّق ثبوتُه، والصَّواب في كيفيَّة الخلاف ما قدَّمناه".
واستدلَّ الجمهور على أنَّه لا ينعقد أصلاً بِأدلَّة:
منها: حديث ابن عبَّاس عند البُخاري قال: بيْنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يَخطب، إذْ هو برجُل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذَر أن يقوم في الشَّمس ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلَّم، وأن يصوم، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ""، قالوا: وليس فيه أنه صلَّى الله عليه وسلَّم أمره بكفَّارة، وتأخير البيان عن وقْت الحاجة لا يَجوز في حقِّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إجماعًا.
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيته فقال: لتمش ولتركب. ورواه التِّرمذي عن أنس قال: نذرت امرأةٌ أن تَمشي إلى بيتِ الله، فسُئِل نبيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك فقال: ""، ولم يأمُر بكفَّارة.
ومنها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنسٍ رضي الله عنْه: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رأى شيخًا يُهادَى بين ابنيْه، قال: ""، قالوا: نذر أن يمشي، قال: ""، وأمره أن يركَب ولم يأمره بكفارة.
ولأنَّه نذر غير واجب لفعل ما نذَرَه، فلم يوجب كفَّارة، كنذر المستحيل.
قال أبو محمد بن حزم في "المحلى": إن نذَر معصية لله، أو ما ليس طاعةً ولا معصية، لم يلْزَم الوفاء بشيءٍ من ذلك، مثل أن يُنْشِد شعرًا، أو أن يصبغ ثوبَه أحمر، أو ما أشبهَ هذا، وكذلك مَن نذر طاعةً إن نال معصية، أو إذا رأى معصية، مثل أن يقول: لله عليَّ صومٌ إن قُتِل فلان، أو إن ضُرِب -وذلك الفُلان لا يستحقُّ شيئًا من ذلك- أو قال: للهِ عليَّ صدقةٌ إذا أراني مَصْرَعَ فلان -وذلك الفُلان مظلوم- فكلُّ هذا لا يلزم الوفاء بشيء منه، ولا كفَّارة في شيءٍ منه، وليستغفِرِ الله تعالى فقط.
وأمَّا ما لا طاعةَ فيه ولا معصية، فإنَّ ناذره موجِبٌ ما لم يوجبْه الله تعالى ولا ندبَ إليه، ومَن فعل هذا، فقد تعدَّى حدود الله تعالى، ففعله لذلك معصية، فلا يلزمُه الوفاء بما لم يُلْزِمه الله تعالى من ذلك، وعن عائشة أمِّ المؤمنين قالت: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: ""، ثمَّ روى حديث ابن عبَّاس السَّابق في قصَّة مَن نذَر أن يقوم ولا يقعُد، وقال: وهذا كلُّه هو نفْس قولِنا -ولله الحمد- أمرَه -عليْه السَّلام- بالوفاء بالصَّوم الذي هو طاعة، ونَهاه عن الوفاء بما ليس طاعة ولا معصية، من الوقوف، وترك الاستظلال، وترك الكلام، وعن ابن عبَّاس: أنَّ رجلاً أتاه فقال: إنِّي نذرتُ إن نجا أبي من الأسْر أن أقوم عرْيانًا، وأن أصوم يومًا، فقال له ابن عباس: البَسْ ثيابك، وصُمْ يومًا، وصلِّ قائمًا وقاعدًا، وعن أبي الزبير: أنَّه سمع جابرًا يقول: "لا وفاء لنذْرٍ في معصية الله تعالى"، وعن عكرمة عن ابن عبَّاس عن عمر بن الخطَّاب: أنَّ رجُلاً نذَر ألاَّ يأكُل مع بني أخيه يتامى، فقال له عمر: "اذهب فكُلْ معهم"، وعن قيس بن أبي حازم: أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق -رضي الله تعالى عنه- أمر امرأةً نذرتْ أن تحُجَّ ساكتةً بأن تتكلَّم". اهـ مختصرًا.
والرَّاجح مذهب الجمهور: أنَّ نذر المباح لا ينعقِد، ولا يلزم لتركه كفَّارة.
وعليْه؛ فلا يلزم من نذَرَ أن يُسمِّي ابنَه باسمٍ معيَّن ولم يسمِّه - شيءٌ،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: