صوم النِّصف الأخير من شعبان

منذ 2013-06-16
السؤال:

ما حكمُ صوم أيَّام النِّصف الأخير من شعبان؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقدْ وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ في الصحيحَيْنِ وغيْرِهما، تدلُّ على جوازِ الصَّوم بعد انتِصاف شهر شعبان، منها:

1- حديث أبي هُريْرة رضي الله عنه في الصَّحيحين: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "".

2- حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحَين، قالت: ""، زاد البخاري في روايةٍ: ""، ولمسلمٍ في رواية: ""، وفي روايةٍ للنَّسائي: "".

3- عن أم سلمة وعائشةَ رضي الله عنهما قالتا: "" (رواه الترمذي).

4- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "" (رواهُ أبو داود، والنَّسائي، والتِّرمذي وحسَّنه).

5- عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لم أَرَكَ تصومُ من شهر من الشهور ما تصومُ من شعبان، قال: "" (رواه أبو داود، والنسائي، وصحَّحه ابنُ خزيْمة).

أما ما رُوي عن النَّهي من صوْمِ النِّصف الثَّاني من شعبانَ، فقد روى أبو داودَ وغيرُه، عن أبي هُريْرة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "" (وقد صحَّحه الألبانيُّ في صحيح الترمذي).

وقدِ اختلف العُلماء في توْجيه الحديث، فقَالَ ابنُ رجبٍ في "لطائف المعارف": "واختلف العُلماءُ في صحَّة هذا الحَدِيث، ثُمَّ العملِ به، أمَّا تصحيحُه، فصحَّحه غَيْرُ واحد، مِنهُم: الترمذي، وابنُ حبَّان، والحاكم، وابنُ عَبْدالبر، وتكلَّم فِيهِ من هُوَ أكبرُ من هؤلاء وأعلم، وقالوا: هُوَ حَدِيث منكر، مِنْهم: عَبْدالرحمن بن مهدي، وأحمد، وأبو زرعة الرَّازي، والأثْرم، وردَّه الإمام أحْمد بحديث: ((لا تقدَّموا رمضانَ بصوْمِ يومٍ أو يومين))؛ فإنَّ مفهومَه جوازُ التقدُّم بأكثرَ من يومين".

وقال الحافظ في "فتح الباري": "وقَال جُمْهُورُ العُلَمَاءِ: يجُوزُ الصَّومُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ من شَعْبَانَ، وضَعَّفُوا الحَدِيثَ الوَارِدَ فيهِ، وقَالَ أَحْمَدُ وابْنُ مَعِينٍ: إِنَّهُ مُنْكَرٌ".اهـ.

وقدْ أجاب ابن القيِّم رحِمه الله في "تهذيب السنَن" على مَن ضَعَّفَ الحديثَ: "إنَّ هذا الحديثَ صحيحٌ على شرط مسلم، وإنَّ تفرُّد العلاءِ بِهذا الحديث لا يُعَدُّ قادحًا في الحديث؛ لأنَّ العلاء ثقة، وقد أخرج له مُسلم في صحيحه عدَّة أحاديثَ عن أبيه عن أبي هريرة رضِيَ اللهُ عَنْهُ وكثيرٌ من السُّنن تفرَّد بِها ثقاتٌ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم وقبِلتها الأمَّة وعمِلَت بها"، ثم قال: "وأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالأَحَادِيثِ الدَّالَّة علَى صِيَام شَعْبَان، فَلا مُعَارَضَةَ بَيْنهُمَا، وإِنَّ تِلكَ الأَحَادِيث تَدُلُّ عَلَى صَوْم نِصْفِه مَعَ مَا قَبْله، وعلى الصَّوْم المُعْتَاد في النِّصْف الثَّاني، وحَدِيث العَلاء يَدُلُّ عَلَى المَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف؛ لا لِعَادَةٍ، ولا مُضَافًا إِلى مَا قَبْله".اهـ.

وقال القاضى عياض رحِمه الله في حديثِ النَّهي عن صيام النِّصف الثاني من شعبان: "المقصودُ استِجْمام مَن لا يقوى على تتابُع الصِّيام، فاستحبَّ الإفْطار كما استحبَّ إفْطار عرفة؛ ليتقوَّى على الدُّعاء، فأمَّا مَن قَدر، فلا نَهيَ له؛ ولذلك جَمع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين الشَّهريْن في الصَّوم".اهـ.

والرَّاجح: أنَّه حديثٌ ضعيف، وأن مَن كانتْ عادته صيام أكثَرِ الشَّهر أو الشهر كلّه، جازَ له ذلك، بل قدْ أصاب السُّنَّة؛ وذلك لِما في الصَّحيحين من حديث أبى هريْرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال: "".

ولِما في الصحيحَين من حديث عمران بن حُصين رضي الله عنْهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليْه وسلَّم قال له أوْ لآخَرَ: "" قال: لا، قال: "".

قال الإمام النَّووي رحِمه الله: "قال الأوزاعي، وأبو عُبيدٍ، وجُمهور العُلماء من أهل اللغة والحديث والغَريب: المراد بالسَّرر آخِر الشَّهر؛ سمِّيت بذلك لاستِسْرار القَمر فيها".اهـ.

ثم قال: "هذا الحديث مُخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، في النَّهي عن تقديم رمضان بصوْمِ يوم ويومين، ويُجاب عنْه بِما أجاب المازري وغيرُه: أنَّ هذا الرجُل كان معتادَ الصيام آخِرَ الشَّهر، أو نذَرَه فتركه؛ بخوْفِه من الدُّخول في النَّهى عن تقدُّم رمضان، فبيَّن له النبيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم أنَّ الصَّوم المعتادَ لا يدخُل في النَّهي؛ وإنَّما ننهى عن غيْر المعتاد، والله أعلم".اهـ.

وعليه؛ فيجوزُ صيامُ النِّصف الثاني من شعبان لِمن كانتْ عادته صيام أكثَر الشهر، كالاثنين والخميس، أو صيام الشَّهر كلِّه،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام