بطلانُ قصةِ وأدِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته
إنه سمع خطيب الجمعة يذكر قصة وأد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته باعتبارها تبين معاملة الجاهلية للأنثى، فهل هذه القصة ثابتة، أفيدونا؟
أولاً: الصحابي الجليل عمر الفاروق رضي الله عنه، هو الصاحب الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثاني الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين، ولا شك أن عمر الفاروق من سادات أمة الإسلام ومن كبرائها وأئمتها وأعلامها، وفضائله أكثر من أن تُحصى، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: « » (رواه البخاري).
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «
» (رواه البخاري).وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه البخاري).وعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه البخاري).وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: «
» (رواه البخاري).وعن أبي سعيد الخدري قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه مسلم). وعن ابن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه مسلم).وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطباً عمر رضي الله عنه: «
» (رواه البخاري ومسلم). وغير ذلك.ثانياً: من المعلوم أن الرافضة يكرهون عمر الفاروق رضي الله عنه، ويشتمونه ويصفونه بأقذع الأوصاف، بل منهم من يكفره ويخرجه من ملة الإسلام والمسلمين، ويحتفلون بيوم مقتله، ويتخذونه عيداً من أعيادهم، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي من أخيارهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم ارض عن أبي لؤلؤة، واحشرني معه. ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة...وأبو لؤلؤة كافرٌ باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسياً من عباد النيران...فقتل عمر بغضاً في الإسلام وأهله، وحباً للمجوس، وانتقاماً للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم] منهاج السنة النبوية 6/370-371.
وقال القمي الأحوص من مشايخ الشيعة المعروفين: [إن يوم قتل عمر بن الخطاب، هو يوم العيد الأكبر، ويوم المفاخرة، ويوم التبجيل، ويوم الزكاة العظمى، ويوم البركة، ويوم التسلية] الخـــطــــوط الـعـــريضــةللأســس الــتي قام عـليها ديـن الشيعة الإمــامـــية الإثــني عــشــريــة ص9. ولذا فإنهم أقاموا له نصباً تذكارياً في إيران يعظمونه ويقدسونه.
ولا بد من بيان سبب كُره الروافض لعمر الفاروق رضي الله عنه، فلا شك أن من أهم أسباب حقد الشيعة المجوس على عمر رضي الله عنه، أنه حطَّم امبراطورية فارس، دولة المجوس، وكسر شوكتهم، وأطفأ النار المقدسة للشيطان فيها، وقد تمَّ ذلك بجيوش الفتح الإسلامي التي فتحت بلاد فارس، فلذلك تجد بعض كبار الشيعة من يُكفر عمر، كما قال محمد باقر المجلسي الصفوي: [لا مجال لعاقلٍ أن يشك في كفر عمر، فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مسلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه] جلاء العيون ص 45. وقد ألف رافضيٌ خبيثٌ -ياسين أحمد الصواف- كتاباً بعنوان ”عقد الدرر في بقر بطن عمر”، يقطر حقداً على الفاروق رضي الله عنه. انظر: الخـــطــــوط الـعـــريضــة للأســس الــتي قام عـليها ديـن الشيعة الإمــامـــية الإثــني عــشــريــة.
ثالثاً: من المقرر عند أهل العلم أن الشيعة أكذبُ الفرق المنتسبة إلى الإسلام، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن تأمل كتب الجرح والتعديل المصنفة في أسماء الرواة والنقلة وأحوالهم، مثل كتب يحيى من معين، والبخاري، وأبي أحمد بن عدي، والدارقطني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي، ويعقوب بن سفيان الفسوي، وأحمد بن صالح العجلي، والعقيلي، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، والحاكم النيسابوري، والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري، وأمثال هؤلاء الذين هم جهابذةٌ ونقادٌ، وأهلُّ معرفةٍ بأحوال الإسناد، رأى المعروف عندهم الكذبَ في الشيعة أكثر منهم في جميع الطوائف] منهاج السنة النبوية1/18.
والروايات عن أئمة الإسلام في بيان كذب الشيعة الروافض كثيرةٌ جداً،
قال الإمام مالك، وقد سئل عن الرافضة: [لا تكلمهم ولا ترو عنهم، فإنهم يكذبون].
وقال الإمام الشافعي: [لم أرَ أحداً أشهد بالزور من الرافضة].
وقال الأعمش: [أدركتُ الناسَ وما يسمُّونهم –أي الرافضة- إلا الكذابين].
وقال يزيد بن هارون: [نكتبُ عن كل صاحبِ بدعةٍ إذا لم يكن داعيةً إلا الرافضة، فإنهم يكذبون].
وقال شريك بن عبد الله: [أحمل العلمَ عن كل من لقيتَ إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث، ويتخذونه ديناً].
وقال عبد الله بن المبارك: [الدينُ لأهل الحديث، والكلامُ والحيلُ لأهل الرأي، والكذبُ للرافضة] المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي، ص 480.
وقال العلامة ابن القيم: [الرافضةُ أكذبُ خلق الله] المنار المنيف ص52. وانظر منهاج السنة النبوية 1/16فما بعدها.
وقد تصدى علماء الإسلام لأكاذيب وأباطيل الشيعة، ففضحوها وبينوا كذبها وزيفها، كما فعل القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه المشهور ”العواصم من القواصم”، وشيخ الإسلام ابن تيمية في كثيرٍ من كتبِهِ ورسائلِهِ، وبخاصة كتابه القيم ”منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية”، وكذلك الحافظ الناقد شمس الدين الذهبي في كثيرٍ من مؤلفاته التاريخية مثل كتاب ”سير أعلام النبلاء”، و”تاريخ الإسلام ومشاهير الأعلام”و ”ميزان الاعتدال في نقد الرجال” والحافظ ابن كثير المفسر المؤرخ في كتابه ”البداية والنهاية”، والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه ”فتح الباري شرح صحيح البخاري”، وكتابه ”لسان الميزان”، و”تهذيب التهذيب”، و”الإصابة في معرفة الصَّحابَة”.
رابعاً: إذا تقرر هذا، فإن قصة وأد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته باطلةٌ، والشواهد على بطلانها كثيرةٌ جداً، ومنها:
1- لا وجودَ لهذه القصة في أيٍ من كتب الحديث والسير والتاريخ المعروفة.
2- مصدر هذه القصة الباطلة بعض كتب الشيعة، فقد ذكرها الرافضي نعمةُ الله الجزائري في كتابه “الأنوار النعمانية”.
3- ذكر هذه القصة الباطلة محمود العقاد في كتابه ”عبقرية عمر” وشكك فيها، قال د.عبد السلام بن محسن آل عيسى: [ولم أجد من روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر، ولكني وجدت الأستاذ محمود العقاد أشار اليها في كتابه "عبقرية عمر" فقال: وخلاصتها أنه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه، إذ ضحك قليلاً ثم بكى، فسأله من حضر؟ فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة، فنعبده ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي؛ أما بكائي؛ فلأنه كانت لي ابنةٌ، فأردت وأدها، فأخذتها معي وحفرت لها حفرةً، فصارت تنفضُ التراب عن لحيتي، فدفنتها حية... وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة، لأن الوأد لم يكن عادةً شائعةً بين العرب، وكذلك لم يشتهر في بني عدي، ولا أسرة الخطاب، التي عاشت منها فاطمة أخت عمر، وحفصة أكبر بناته، وهي التي كني أبا حفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات، فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة! لماذا انقطعت أخبارها، فلم يذكرها أحدٌ من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها...] دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية1/111-112.
4- {C}ومما يدل على بطلان هذه القصة، الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه حيث يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: وسئل عن قوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني وأدت ثماني بنات لي في الجاهلية. قال: أعتق عن كل واحدةٍ منها رقبةً. قلت: إني صاحب إبل. قال: أهد إن شئت عن كل واحدة منهن بدنةً (رواه عبد الرزاق في تفسيره والطَّبري والبزار والطبراني في معجمه الكبير وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة، 7/2/877)،
فهذا الحديث وهو من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدل على كفارة من وقع منه الوأد في الجاهلية، ولما لم يذكر عمر بن الخطاب عن نفسه ذلك، وإنما رواه من فعل قيس بن عاصم، دل على عدم وقوع الوأد المنسوب إليه رضي الله عنه. فلو كان عمر رضي الله عنه حصل منه ما يُشبه ذلك لذَكَره في ذلك الموقف الذي سُئل فيه عن الوأد. انظر لإبطال هذه القصة المخترعة المواقع التالية:
إسلام سؤال وجواب
إسلام ويب
ملتقى أهل الحديث
الآجري
خامساً: يجب شرعاً على الوعاظ والخطباء وأئمة المساجد وغيرهم، التثبتُ من الأحاديث والأخبار قبل روايتها وذكرها للناس، في خطب الجمعة والدروس والمواعظ، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث والأخبار، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث والأخبار، وينشرونها فيما بينهم، فيُسهم الوعاظ والخطباء والمدرسون وأمثالهم، في نشر هذه الأحاديث والأخبار المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وعليه فإني أنصح كلَّ من يذكرُ حديثاً أو روايةً أن يتثبت من ذلك، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث وإلى كتب العلماء، ليعرف حال ذلك الحديث أو الخبر أو الرواية قبل أن يذكره للناس، حتى لا يدخل في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولئلا يُسهم في الكذب على أئمة الإسلام، وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.
وخلاصة الأمر أن عمر الفاروق رضي الله عنه، هو الصاحب الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثاني الخلفاء الراشدين وأحد الأئمة المهديين، وأن عمر الفاروق من سادات أمة الإسلام ومن كبرائها وأئمتها وأعلامها، وفضائله أكثر من أن تُحصى. وأن الرافضة يكرهون عمر الفاروق رضي الله عنه ويشتمونه ويصفونه بأقذع الأوصاف، بل منهم من يُكفره ويخرجه من ملة الإسلام والمسلمين، ويحتفلون بيوم مقتله، ويتخذونه عيداً من أعيادهم، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي من أخيارهم.
وبما أن عمر الفاروق هو مطفئُ نار المجوس ومشتت ملكهم، لذلك فهم يحقدون عليه ويكرهونه، وأن من المقرر عند أهل العلم أن الشيعةَ أكذبُ الفرق المنتسبة إلى الإسلام، وأن علماء الإسلام قد تصدوا لأكاذيب وأباطيل الشيعة ففضحوها وبينوا كذبها وزيفها،
وأن قصة وأد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابنته باطلةٌ، والشواهد على بطلانها كثيرةٌ جداً. وأن الواجب الشرعي على الوعاظ والخطباء وأئمة المساجد وغيرهم التثبتُ من الأحاديث والأخبار قبل روايتها وذكرها للناس.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
حسام الدين عفانه
دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.
- التصنيف:
- المصدر: