حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة المسلمة

منذ 2014-03-30
السؤال:

كما تعلمون فإن هنالك هجمة شرسة على رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم في بعض الدول الأوربية وغيرها وتمثل ذلك بنشر الرسوم الكاريكاتورية التي تسيء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمطلوب أن تبينوا لنا حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على الأمة المسلمة؟ 

 

الإجابة:

هذه الهجمة الشرسة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست جديدة فطالما تكررت منذ بعثته صلى الله عليه وسلم وحتى عصرنا الحاضر فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للأذى حال حياته كما ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية وذكرته كتب السير أيضاً. قال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ… أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [سورة التوبة الآيات61-63].

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [سورة الأحزاب الآية 57].

وقال تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [سورة التوبة الآيات 64-66].

وعن ابن مسعود قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا، دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثاً ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر» (رواه مسلم).

وعن أنس رضي الله عنه قال: «كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانياً فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه» (رواه البخاري) وغير ذلك من النصوص.

إذا تقرر هذا فإن الواجب على المسلمين أن يتصدوا لهذه الهجمة الحاقدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى دين الإسلام وأن يدافعوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وعن دينهم بمختلف الوسائل المتاحة ومنها مقاطعة منتجات الدول التي صدرت تلكم الإساءات في صحفها وأجهزة إعلامها.

وأما حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم علينا فهي كثيرة فأول حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم وجوب الإيمان به فمن المعلوم أن الشهادتين هما الركن الأول من أركان الإسلام والشطر الثاني منها هو الشهادة بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك فإن من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم داخل في ذلك.ويدخل تحت ذلك الإيمان بعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى العالمين والإيمان بكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ورسالته خاتمة الرسالات. والإيمان بكون رسالته ناسخة لما قبلها من الشرائع.

والإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [سورة الأحزاب الآية 40].

وقال تعالى في حق من لم يؤمن: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً} [سورة الفتح الآية 13].

وأما الحق الثاني له فهو طاعته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران الآية 132].

وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [سورة النساء الآيات 13-14].

وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران الآية 32].

وأما الحق الثالث فهو محبته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة الآية 24].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [سورة البقرة الآية 165].

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة آل عمران الآية 31].

وورد في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر» (رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين» (رواه مسلم].

ومن محبته صلى الله عليه وسلم الانتصار له والمحاماة عنه، ومعاداة من عاداه، قال تعالى: {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [سورة الحشر الآية 8].

ومن محبته صلى الله عليه وسلم محبة من أحبهم الرسول صلى الله عليه وسلم كحب آله ومحبة أصحابه فإن من أصول أهل السنة والجماعة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحفظون فيهم وصية رسول صلى الله عليه وسلم فيهم وكذا محبة أصحابه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 3/ 152- 153.

ويجب أن يعلم أن المحبة الصادقة للرسول صلى الله عليه وسلم تكون في اتباعه صلى الله عليه وسلم.

وأما الحق الرابع فهو وجوب الإيمان بعصمته صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم الآيتان 2-3].

وأما الحق الخامس فهو وجوب تعزيره وتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [سورة الفتح الآية رقم 9]، قال ابن عباس: وَتُوَقِّرُوهُ يعني التعظيم”.

وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [سورة الحجرات الآية 2].

ويدخل في ذلك تعظيم الأمة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته.

وأما الحق السادس فهو الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [سورة الأحزاب الآية 56]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى عليَّ واحدةً صلى الله عليه عشراً» (رواه مسلم). وأما الحق السابع فهو وجوب التحاكم إليه والرضي بحكمه صلّى الله عليه وسلّم كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [سورة النساء الآية 59]، وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [سورة النساء الآية 65].

ويكون التحاكم إلى سنته وشريعته بعده صلّى الله عليه وسلّم.

وأخيراً لا بد من التنبيه على بعض الأمور الهامة:  فمنها أن هؤلاء الذين يسبون محمداً صلى الله عليه وسلم الآن، قد سبوا الله جل وعلا من قبل بل ورد ذلك في كتبهم المقدسة بزعمهم فقد اتهموا الله عز وجل بأنه رب يأمر أحد أنبيائه بالزنا كما جاء في كتابهم المقدس: "أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب". وقد وصفوا الله عز وجل بالجهل كما جاء على لسان رسولهم بولص "لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس" وغير ذلك كثير. ومنها ينبغي الاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة وتدريسها للناس ولطلبة العلم في جميع مستوياتهم وأخذ العبر منها.

ومنها تربية الأبناء على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله.

ومنها التحذير من الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قد نهى عن الغلو {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [سورة المائدة الآية 77]. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله» (رواه البخاري) وقال تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف الآية 188].

ومنها أنه يحرم الاعتداء على من يعيشون في ديارنا من أهل تلك الدول التي نشرت فيها الإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم.

وختاماً أنصح بقراءة كتب السيرة وخاصة ما كتب عن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم من كتب ومقالات على شبكة الإنترنت ومن أحسنها رسالة علمية بعنوان (حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة تأليف د. محمد بن خليفة التميمي).

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.