صلاة المسافر خلف المقيم

منذ 2014-04-23
السؤال:

هل يصح للمسافر أن يصلي صلاة الظهر خلف إمام مقيم، فيقصر المسافر الصلاة ثم يقوم ويجمع العصر ركعتين؟

الإجابة:

إتفق أهل العلم على أن المسافر إذا اقتدى بالمقيم، فيجب الإتمام بحق المسافر ولا يصح القصر، لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتمّ به، فلا تختلفوا عليه» (متفق عليه).

وعن موسى بن سلمة الهذلي قال: سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام، فقال: "ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" (رواه مسلم). وهذا يفيد أنه إذا صلى مع الإمام أتم الرباعية.

ورواه أحمد بأصرح من ذلك، عن موسى بن سلمة قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إذا كنا معكم صلينا أربعاً – أي بالمسجد مقتدين بإمام مقيم-  وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: "سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" الفتح الرباني 5/102.

وبناءً على ذلك لا يصح للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إذا اقتدى بإمام مقيم بل يجب عليه أن يصلي الظهر تامة، فإذا سلم الإمام قام المسافر فجمع إليها العصر، ويصح له أن يقصر العصر فيصليها ركعتين.

وبمناسبة الحديث عن صلاة المسافر أود التنبيه على بعض الأمور المتعلقة بصلاة المسافر:

1 – إن المسافر لا يصير مسافراً شرعاً إلا إذا شرع فعلاً بالسفر ولا تكفي النية في جعله مسافراً، وبناءً على ذلك لا يصح للمسافر أن يتلبس بأي حكم من الأحكام المرخصة في السفر إلا إذا شرع في السفر فعلاً، ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن أنس بن مالك قال:  «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين» (رواه مسلم).

وبداية السفر تكون بمفارقة البلد أو المحل الذي يسكن فيه من أراد السفر، فإذا كان ساكناً في مدينة أو قرية فيكون مسافراً إذا فارق البنيان، وإذا كان ساكناً في صحراء فيكون مسافراً إذا فارق بيوت الشعر.

قال الإمام النووي: "وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه، إن كان من أهل الخيام" شرح النووي على صحيح مسلم 5/322.

2 – إن المسافر يصير مقيماً إذا نوى الإقامة، فإذا سافر شخص إلى عمّان مثلاً فبمجرد وصوله إلى عمّان نوى أن يقيم فيها شهراً، فهو مقيم ولا يصح له أن يترخص برخص السفر.

3 – إذا كان المسافر سائراً فيجوز له أن يقصر وأن يجمع، كمن يسافر إلى الحج براً فطوال مسيره حتى يصل إلى مكة فيجوز له أن يجمع ويقصر، فإذا وصل مكة فإن صلى مع الإمام المقيم فإنه يتم ولا يجمع، وإن صلى وحده فيقصر ولا يجمع، وعلى ذلك دلت السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به المسير قصر وجمع، وإذا كان نازلاً قصر دون جمع.

4 – إذا نوى المسافر جمع التأخير، فإذا وصل إلى محل إقامته قبل خروج وقت الصلاة الأولى، فلا يجوز له الجمع بل يجب أن يصلي الصلاة التي أدرك وقتها تامة، فإذا فرضنا أن مسافراً نوى جمع التأخير بين الظهر والعصر فدخل إلى بلده قبل دخول وقت العصر فيجب عليه أن يصلي الظهر تامة في وقتها ولا يصح له أن يؤخرها حتى يجمعها مع العصر.

5 – ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يصلي السنن الرواتب في السفر، كسنة الظهر والمغرب، فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: صحبت ابن عمر في طريق مكة قال: ”فصلى الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلس وجلسنا معه، فحانت منه إلتفاتة نحو حيث صلى فرأى ناساً قياماً فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون –أي يصلون نافلة-  قال لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب /21].

وأما مطلق النافلة، فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتنفل في السفر، فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن شهاب أن عبد الله بن عامر بن ربيعة أخبره، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي السبحة  – أي النافلة -  بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.