رأى هلال الصوم وهلال الفطر وحده
منذ 2006-12-01
السؤال: سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن رجل رأى الهلال وحده وتحقق الرؤية: فهل
له أن يفطر وحده أو يصوم وحده أو مع جمهور الناس؟
الإجابة: الحمد لله. إذا رأى هلال الصوم وحده أو هلال الفطر وحده فهل عليه أن
يصوم برؤية نفسه، أو يفطر برؤية نفسه أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع
الناس؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد:
أحدها: أن عليه أن يصوم وأن يفطر سرا وهو مذهب الشافعي.
والثاني: يصوم ولا يفطر إلا مع الناس وهو المشهور من مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة.
والثالث: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " " رواه الترمذي وقال: "حسن غريب"، ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط. ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: " " قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب ـ قال ـ: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعِظَم الناس". ورواه أبو داود بإسناد آخر فقال: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد من حديث أيوب، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقال: " " ، ولأنه لو رأى هلال النحر لما اشتهر، والهلال اسم لما استهل به فإن الله جعل الهلال مواقيت للناس والحج، وهذا إنما يكون إذا استهل به الناس والشهر بين. وإن لم يكن هلالا ولا شهرا.
وأصل هذه المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال والشهر كالصوم والفطر والنحر فقال تعالى{يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ } } البقرة: 189]، فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ} [البقرة: 183] إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ} [البقرة: 185] أنه أوجب صوم شهر رمضان وهذا متفق عليه بين المسلمين، لكن الذي تنازع الناس فيه أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء وإن لم يعلم به الناس وبه يدخل الشهر، أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم؟ على قولين: فمن قال بالأول يقول: من رأى الهلال وحده فقد دخل ميقات الصوم ودخل شهر رمضان في حقه وتلك الليلة هي في نفس الأمر من رمضان وإن لم يعلم غيره، ويقول: من لم يره إذا تبين له أنه كان طالعا قضى الصوم، وهذا هو القياس في شهر الفطر وفي شهر النحر لكن شهر النحر، ما علمت أن أحدا قال من رآه يقف وحده دون سائر الحاج وأنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة ويتحلل دون سائر الحاج، وإنما تنازعوا في الفطر: فالأكثرون ألحقوه بالنحر وقالوا: لا يفطر إلا مع المسلمين; وآخرون قالوا: بل الفطر كالصوم ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يوما، وتناقض هذه الأقوال يدل على أن الصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة. وحينئذ فشرط كونه هلالا وشهرا شهرته بين الناس واستهلال الناس به حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به كان حكمهم حكم سائر المسلمين فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين وهذا معنى قوله: " "، ولهذا قال أحمد في روايته: يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم، قال أحمد: يد الله على الجماعة. وعلى هذا تفترق أحكام الشهر: هل هو شهر في حق أهل البلد كلهم أو ليس شهرا في حقهم كلهم؟ يبين ذلك قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فإنما أمر بالصوم من شهد الشهر، والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس حتى يتصور شهوده والغيبة عنه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم" "ونحو ذلك خطاب للجماعة، لكن من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صامه فإنه ليس هناك غيره، وعلى هذا فلو أفطر ثم تبين أنه رئي في مكان آخر أو ثبت نصف النهار لم يجب عليه القضاء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، فإنه إنما صار شهرا في حقهم من حين ظهر واشتهر. ومن حينئذ وجب الإمساك كأهل عاشوراء الذين أمروا بالصوم في أثناء اليوم ولم يؤمروا بالقضاء على الصحيح وحديث القضاء ضعيف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - (ج 25/ ص 114 ـ 118)
أحدها: أن عليه أن يصوم وأن يفطر سرا وهو مذهب الشافعي.
والثاني: يصوم ولا يفطر إلا مع الناس وهو المشهور من مذهب أحمد ومالك وأبي حنيفة.
والثالث: يصوم مع الناس ويفطر مع الناس وهذا أظهر الأقوال ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " " رواه الترمذي وقال: "حسن غريب"، ورواه أبو داود وابن ماجه وذكر الفطر والأضحى فقط. ورواه الترمذي من حديث عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: " " قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب ـ قال ـ: وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعِظَم الناس". ورواه أبو داود بإسناد آخر فقال: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا حماد من حديث أيوب، عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه فقال: " " ، ولأنه لو رأى هلال النحر لما اشتهر، والهلال اسم لما استهل به فإن الله جعل الهلال مواقيت للناس والحج، وهذا إنما يكون إذا استهل به الناس والشهر بين. وإن لم يكن هلالا ولا شهرا.
وأصل هذه المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال والشهر كالصوم والفطر والنحر فقال تعالى{يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلأهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجّ } } البقرة: 189]، فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ} [البقرة: 183] إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ} [البقرة: 185] أنه أوجب صوم شهر رمضان وهذا متفق عليه بين المسلمين، لكن الذي تنازع الناس فيه أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء وإن لم يعلم به الناس وبه يدخل الشهر، أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم؟ على قولين: فمن قال بالأول يقول: من رأى الهلال وحده فقد دخل ميقات الصوم ودخل شهر رمضان في حقه وتلك الليلة هي في نفس الأمر من رمضان وإن لم يعلم غيره، ويقول: من لم يره إذا تبين له أنه كان طالعا قضى الصوم، وهذا هو القياس في شهر الفطر وفي شهر النحر لكن شهر النحر، ما علمت أن أحدا قال من رآه يقف وحده دون سائر الحاج وأنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة ويتحلل دون سائر الحاج، وإنما تنازعوا في الفطر: فالأكثرون ألحقوه بالنحر وقالوا: لا يفطر إلا مع المسلمين; وآخرون قالوا: بل الفطر كالصوم ولم يأمر الله العباد بصوم واحد وثلاثين يوما، وتناقض هذه الأقوال يدل على أن الصحيح هو مثل ذلك في ذي الحجة. وحينئذ فشرط كونه هلالا وشهرا شهرته بين الناس واستهلال الناس به حتى لو رآه عشرة ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به كان حكمهم حكم سائر المسلمين فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين وهذا معنى قوله: " "، ولهذا قال أحمد في روايته: يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم، قال أحمد: يد الله على الجماعة. وعلى هذا تفترق أحكام الشهر: هل هو شهر في حق أهل البلد كلهم أو ليس شهرا في حقهم كلهم؟ يبين ذلك قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فإنما أمر بالصوم من شهد الشهر، والشهود لا يكون إلا لشهر اشتهر بين الناس حتى يتصور شهوده والغيبة عنه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم" "ونحو ذلك خطاب للجماعة، لكن من كان في مكان ليس فيه غيره إذا رآه صامه فإنه ليس هناك غيره، وعلى هذا فلو أفطر ثم تبين أنه رئي في مكان آخر أو ثبت نصف النهار لم يجب عليه القضاء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، فإنه إنما صار شهرا في حقهم من حين ظهر واشتهر. ومن حينئذ وجب الإمساك كأهل عاشوراء الذين أمروا بالصوم في أثناء اليوم ولم يؤمروا بالقضاء على الصحيح وحديث القضاء ضعيف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - (ج 25/ ص 114 ـ 118)
- التصنيف: