حكم من احْتلم قبل صلاة الصُّبح وتوضأ ولم يغتسل

منذ 2015-02-26
السؤال:

السلام عليْكم،
في بعض المرَّات عندما أحْتلم وأستيقِظ لصلاة الصُّبح، وكوني لا أسْكن مع أهلي، يتعذَّر عليَّ غسْل الجنابة؛ ولكنِّي أغيِّر الملابس وأتوضَّأ وأصلِّي في البيْت قبل خُروج وقت الصَّلاة.

فهل عليَّ في هذه الحالة أن أتوضَّأ وأتيمَّم فقط، مع العلم أنه يوجد ماء للوضوء؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فاعلم أنَّ الوضوء لا يُجزئ عن الغُسل الشَّرعي، ولا يكْفِي في رفْع الجنابة، فإذا توضَّأتَ بعد الاحتِلام ولَم تغتسِل ثمَّ صلَّيت، فصلاتُك باطلةٌ بالنص والإجماع؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].

وروى مسلم عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «لا يقْبل الله صلاةً بغيْر طهور»، الطهور يشمل الأكبر والأصغر.

وفي الصحيحَين عن أمِّ سلمة قالت: جاءتْ أمُّ سُليم إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحْيِي من الحقِّ؛ فهل على المرأة من غسْل إذا احتلمتْ؟ قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «نَعَمْ، إذا رأت الماء»، فخروج المني يوجب الغسل من الرجل والمرأة في اليقظة والمنام وهو قول عامَّة الفقهاء، كما قال التِّرمذي، وقال ابن بطَّال وابن قدامة: وهذا لا خلاف فيه.

قال النَّوويُّ في "المجموع": "أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ على تَحْرِيمِ الصَّلاةِ على المُحْدِثِ، وأَجْمَعُوا على أَنَّهَا لا تَصِحُّ مِنْهُ، سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلاً أَو نَاسِيًا؛ لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا، فَلا إثْمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلاةِ مع الحَدَثِ، فَقَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً". اهـ.

هذا؛ والسَّائل الكريم لم يوضِّح المقصود من قوله: "يتعذَّر عليَّ غسْل الجنابة"، فإن كان المانِع هو مشقة غير محتملة، أو عدمَ وجود ماء كافٍ للغُسل، فيجزئه التيمَّم.

وإن كان المانع مشقَّة محتملة، أو الحياء من النَّاس، فهذا حياءٌ ليس في محلِّه، ولا يُجْزِئك التَّيمُّم؛ بل لا بدَّ أن تغتَسِل.

وقد قرَّر العُلماء: أنَّ الحياء إن كان من واجبٍ شرْعي، فهو محرَّم.

قال الإمام النَّووي: "وأمَّا كون الحياءِ خيرًا كلِّه ولا يأْتي إلاَّ بِخير، فقد يُشْكِل على بعض النَّاس من حيثُ إنَّ صاحب الحياء قد يستحيي أن يُواجِه بالحقِّ مَن يجلُّه، فيترك أمْرَه بالمعروف ونَهْيَه عن المنكر، وقد يَحمله الحياءُ على الإخْلال ببعْض الحقوق، وغير ذلك ممَّا هو معروف في العادة، وجواب هذا ما أجاب به جماعةٌ من الأئمَّة - منهم الشَّيخ أبو عمرو بن الصَّلاح، رحِمه الله تعالى -: أنَّ هذا المانع الَّذي ذكرْناه ليس بحياءٍ حقيقةً؛ بل هو عجْز وخور ومهانة، وإنَّما تسمِيَته حياءً من إطْلاق بعض أهل العُرْف، أطلقوه مجازًا لمشابهتِه الحياءَ الحقيقيَّ، وإنَّما حقيقة الحياء خُلقٌ يبْعث على ترْك القبيح ويَمنع من التَّقْصير في حقِّ ذي الحقِّ، ونحو هذا". اهـ "شرح النَّووي على صحيح مسلم" (1/ 204).

والحاصل: أنَّه لا يَجوز ترْك غسْل الجنابة إلاَّ لضرورة متحقِّقة؛ مثل فقْد الماء أو العجز عن استعماله، وحينها يشْرَع التيمُّم؛ قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مَن أصابتْه جنابةٌ، من احتِلام أو جِماع، حلال أو حرام، فعليْه أن يغتسِل ويصلِّي، فإن تعذَّر عليْه الاغتِسال؛ لعدَم الماء، أو لتضرُّره باستعماله؛ مثل أن يكون مريضًا يزيدُ الاغتسالُ في مرضِه، أو يكون الهواء باردًا، وإن اغتسل خاف أن يمرض بصداع أو زكام أو نزلة - فإنَّه يتيمَّم ويصلِّي".

أمَّا إن كان ما يدفع السَّائل للتيمُّم وترْك الغسْل هو خوْفَ خروج وقْت الصَّلاة، فعلى تفصيلٍ ذكَره شيْخ الإسْلام ابن تيمية حيث قال: "وإذا دخل وقْتُ الصَّلاة كطلوع الفجْر، ولم يُمْكِنه إذا اغتسل أن يصلِّي حتَّى تطْلع الشمس؛ لكون الماء بعيدًا، أو الحمَّام مغلوقة، أو لكوْنِه فقيرًا وليْس معه أُجْرة الحمَّام - فإنَّه يتيمَّم ويصلِّي في الوقْت، ولا يؤخِّر الصَّلاة حتَّى يفوت الوقْت.

وأمَّا إذا استيقظَ وقد ضاق الوقْت عن الاغتِسال، فإن كان الماء موجودًا، فهذا يغتسل ويصلِّي بعد طلوع الشمس عند أكثر العلماء؛ فإنَّ الوقت في حقِّه من حين استيقظ، بِخلاف اليقْظان؛ فإنَّ الوقت في حقِّه من حين طلوع الفجر"،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام