آداب حملة القرآن

منذ 2015-07-12
السؤال:

حفظت القرآن منذ ثمان سنوات، لكني لم أعلمه للناس، حيث إني لم أجد من يدعوني لتعليم القرآن؛ فهل أنا آثم على ذلك ؟، وما هي واجبات حافظ القرآن؟

الإجابة:

الحمد لله تعالى
أولا:
تعلم القرآن وتعليمه من أشرف الأعمال وأفضلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خَيرُكُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»(البخاري:5027).
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ (رضي الله تعالى عنه) عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» (الترمذي:2685) وصححه الألباني في (صحيح الترمذي).
ولا شك أن معلم الناس القرآن يعلم الناس الخير، بل يفتح لهم أعظم أبواب الخير.

ثانيا:
تعليم القرآن فرض كفاية، فإن كان في بلدك من يعلم الناس القرآن، فلا إثم عليك، ولكن فاتك فضل عظيم.
وإن لم يكن هناك من يعلم الناس إلا أنت: وجب عليك تعليمهم، فإن لم تفعل فقد أثمت، وعليك التوبة.
قال النووي رحمه الله تعالى:
"تعليم المتعلمين فرض كفاية؛ فإن لم يكن من يصلح إلا واحد تعين، وإن كان هناك جماعة يحصل التعليم ببعضهم: فإن امتنعوا كلهم أثموا، وإن قام به بعضهم سقط الحرج عن الباقين، وإن طُلِب من أحدهم وامتنع، فأظهر الوجهين أنه لا يأثم، لكن يكره له ذلك، إن لم يكن عذر".
انتهى من (التبيان في آداب حملة القرآن: ص:41-42).

فإن كنت راغبا في ذلك الباب من الخير، فلا تجلس حتى يأتيك الناس فيتعلموا منك، ولكن اذهب أنت إليهم وادعهم إلى التعلم والحفظ، وحثهم على ذلك ببيان فضله وشرفه؛ فإن ذلك أزكى لك ولهم، وأعون لك على عدم النسيان، ولو لم تجد إلا الصبية الصغار، وبإمكانك البحث عن إحدى دور التحفيظ أو حلقات التحفيظ في المساجد والالتحاق بها.

ثالثا:
ينبغي لحافظ القرآن أن يتميز به عن غيره، فمن وفقه الله تعالى إلى هذا الفضل لا بد أن يرتفع به ويرتقي، وإلا لما كان هناك فرق بينه وبين سواه، ونسرد جملة من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها حافظ كاتب الله تعالى، فمن ذلك:
- أن يخلص النية لله تعالى في حفظه وتلاوته وتعليمه.
- أن يتعاهد القرآن بالمراجعة حتى لا ينساه أو ينسى شيئا منه.
- أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا، من مال أو رياسة أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه، أو نحو ذلك.
- أن يحرص على أن يكون خلقه القرآن، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
- أن يحرص على تعليمه للناس، ودعوة الناس إليه وتحفيظهم إياه، وتوجيههم إلى أخلاقه وآدابه.
- أن يرفق بمن يقرأ عليه وأن يرحب به ويحسن إليه.
- أن يعمل بالقرآن ولا يخالف أحكامه وشرائعه، ولا يكون ممن حفظ حروفه وضيع حدوده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ»(مسلم:(223).
وصح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: "كانَ الرجل مِنَّا إذا تعلَّم عَشْر آياتٍ لم يجاوزهُنّ حتى يعرف معانيهُنَّ، والعملَ بهنَّ" انتهى من (تفسير الطبري:1/ 80).
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا: أنهم كانوا يستقرِئون من النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا تعلَّموا عَشْر آيات لم يخلِّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلَّمنا القرآن والعمل جميعًا " انتهى من (تفسير الطبري:1/ 80).
- أن يتميز به ليله عن ليل الناس، فيقوم به لصلاة الليل قدر ما ييسر الله تعالى له من ذلك؛ فإن أهل القرآن من السلف كانوا هم أهل قيام الليل، ومناجاة الله بالأسحار.
وننصحك باقتناء كتابين عظيمين جليلين في هذا الباب: الأول: (أخلاق حملة القرآن) للإمام الآجري رحمه الله تعالى، والثاني: (التبيان في آداب حملة القرآن) للإمام النووي رحمه الله تعالى؛ فاحرص عليهما، وطالعهما، وانتفع بما فيهما.


والله تعالى أعلى وأعلم.