ذكر الله بالقلب فقط دون تحريك الشفتين
السَّلام عليْكم،
ما حكم مَن يذكُر الله بقلبِه وبلِسانه من دون تَحريك الشَّفتين؟
جزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الذِّكر بالقلب أو في النَّفس مشروع؛ لما في الصَّحيحَين عن أبي هُريرة - رضِي الله عنه - قال: قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «
قال ابن بطَّال في شرح البخاري: قال الطبرى: فإن قيل: أي الذِّكْرين أعظم ثوابًا: الذكر الذي هو بالقلب، أو الذِّكْر الذي هو باللسان؟ قيل: قد اختلف السَّلف في ذلك، فروي عن عائشة أنَّها قالت: "لأن أذكرَ الله في نفسي أحبُّ إليَّ من أن أذكُره بلساني سبعين مرَّة"، وقال آخرون: ذِكْر الله باللِّسان أفضل؛ روي عن أبي عُبيدة بن عبدالله بن مسعود قال: "ما دام قلْب الرَّجُل يذكر الله تعالى فهو في صلاة، وإن كان في السُّوق، وإن تحرَّك بذلك اللِّسان والشَّفتان، فهو أعظم".
قال الطبري: "والصواب عندي أنَّ إخْفاء النَّوافل أفضل من ظهورها لِمن لم يكن إمامًا يُقتدَى به، وإن كان في محفل اجتمع أهلُه لغير ذكر الله أو في سوق؛ وذلك أنه أسلم له من الرياء، وقد روينا من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: « ».
ولِمن كان بالخلاء أن يذكُر الله بقلبه ولسانه؛ لأنَّ شغل جارحتين بما يُرضي الله تعالى أفضلُ من شغْل جارحة واحدة، وكذلك شغْل ثلاث جوارح أفضلُ من شغل جارحتَين، وكلَّما زاد فهو أفضل، إن شاء الله تعالى".
وقال ابن القيم في "طريق الهجرتين": "فإذا شهِد العبد ذِكْرَ ربِّه تعالى له ووصل شاهده إلى قلبِه، شغَله ذلك عمَّا سواه، وحصل لقلبه به غنًى عالٍ لا يشبهه شيء، وهذا كما يحصل للممْلوك الذي لا يزال أستاذُه وسيِّده يذكره ولا ينساه، فهو يحصل له بشعوره بذِكْر أستاذه له غنًى زائد على إنعام سيِّده عليْه، وعطاياه السنِيَّة له، فهذا هو غنى ذِكْر الله للعبد، وقد قال فيما يروي عن ربِّه - تبارك وتعالى -: « »، فهذا ذِكْرٌ ثان بعد ذكر العبد لربِّه غير الذِّكْر الأوَّل الذي ذكره به حتَّى جعله ذاكرًا، وشعور العبد بكلا الذِّكرين يُوجب له غنى زائدًا على إنعام ربِّه عليْه وعطاياه له ... والمقصود أنَّ شعور العبد وشهودَه لذكر الله له يُغْني قلبه ويسدّ فاقته، وهذا بخلاف من نسُوا الله فنسيهم؛ فإنَّ الفقر من كلّ خير حاصل لهم، وما يظنُّون أنَّه حاصل لهم من الغِنى، فهو من أكبر أسباب فقرهم".
هذا؛ وقد بيَّن شيخ الإسلام أنَّ الذِّكْر الكامل ما كان باللِّسان مع القلب، وغير الكامل ما كان بالقلب فقط، فقال في "مجموع الفتاوى": "نظير قوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] قوله - صلى الله عليه وسلَّم - فيما روى عن ربِّه: « »، وهذا يدخل فيه ذكرُه باللسان في نفسه؛ فإنَّه جعله قسيم الذِّكْر في الملأ، وهو نظير قوله: {وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ} [الأعراف: 205]، والدَّليل على ذلك أنَّه قال: {بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الأعراف: 205]، ومعلوم أنَّ ذكر الله المشْروع بالغدو والآصال في الصَّلاة وخارج الصَّلاة هو باللسان مع القلب، مثل صلاتَي الفجر والعصر، والذِّكر المشْروع عقب الصَّلاتين، وما أمر به النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلَّمه وفعله من الأذْكار والأدْعية المأثورة من عمل اليوم والليلة المشْروعة، طرفي النَّهار بالغدوِّ والآصال، وقد يدخُل في ذلك أيضًا ذِكْر الله بالقلْب فقط، لكن يكون الذِّكْر في النَّفس كاملاً وغير كامل، فالكامل باللِّسان مع القلْب، وغير الكامل بالقلْب فقط".
ومما سبق يتبين أن ذكر الله بالقلب، وبدون تحريك الشفتين، مشروع،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: