الصلاة خلف الفاسق

منذ 2015-09-04
السؤال:

جزاكم الله خيرًا على هذا الموقِع، وبعد:

إخوتي في الإسلام، لدي سؤال أرجو منكُم الإجابة عليْه بكلِّ وضوح:

نحنُ نَسكُن في قرْية صغيرة، وبِها مسجد نُقيم فيه كلَّ الصَّلوات، وبه إمام يصلي بنا، لكنَّ هذا الإمام له مشاكِل مع والديه، وسبب المشْكِلة زواج، والآن هو مُقاطع والديه، ووالدُه تُوُفي غير راضٍ عنْه بِشهادة الجميع، ووالِدتُه موجودة لكن لا يُوجد تواصُل بينَهما، وثبت أن اختلس أموالاً، وهو فارض نفسَه على الجميع، مع العِلْم بأنَّ كلَّ مَن يصلِّي في المسجِد غيرُ مقتنِع به كإمام، لكن لا أحد يستطيع أن يقول شيئًا، "والحال ماشٍ على هذا".

ماذا نعمل في هذه الحالة، نصلي خلفه ونترك حسابَه على الله أم ماذَا نعْمَل؟

أفيدونا بارك الله فيكم.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحال كما ذكرت: أنَّ الإمام الَّذي يصلّي بكم قاطعٌ للرحم، ومختلِس للمال - فلا يَجوز أن يرتَّب ذلك الرَّجُل إمامًا لكم، ولْتبحثوا عن إمامٍ غيرِه مشهور بالدين والاستِقامة، والبعْد عن الحرُمات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ف
ي "مجموع الفتاوى":
ولو علم المأموم أنَّ الإمام مبتدعٌ يدْعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهِرُ الفسق، وهو الإمام الرَّاتب الَّذي لا تمكن الصَّلاة إلاَّ خلْفه، كإمام الجمُعة والعيديْن، والإمام في صلاة الحجّ بعرفة، ونحو ذلك - فإنَّ المأموم يصلِّي خلْفه عند عامَّة السَّلف والخلَف، وهو مذْهب أحمد والشَّافعي وأبي حنيفة وغيرهم؛ ولهذا قالوا في العقائد: إنَّه يصلّي الجمعة والعيد خلْفَ كلِّ إمام، برًّا كان أو فاجرًا، وكذلك إذا لم يكُن في القرية إلاَّ إمام واحد، فإنَّها تصلَّى خلفه الجماعات؛ فإنَّ الصلاة في جماعة خيرٌ من صلاة الرَّجُل وحدَه، وإن كان الإمام فاسقًا، هذا مذْهب جماهير العلماء - أحمد بن حنْبل والشَّافعي وغيرهما - بل الجماعة واجبةٌ على الأعْيان في ظاهر مذْهب أحمد، ومَن ترك الجمُعة والجماعة خلْف الإمام الفاجر، فهو مبتدِع عند الإمام أحمد وغيرِه من أئمَّة السنَّة، كما ذكره في رسالة عبدوس، وابن مالك والعطَّار، والصَّحيح أنَّه يصلِّيها ولا يُعيدها؛ فإنَّ الصَّحابة كانوا يصلُّون الجمُعة والجماعة خلْف الأئمَّة الفجَّار ولا يعيدون، كما كان ابنُ عُمر يصلِّي خلْفَ الحجَّاج، وابنُ مسعودٍ وغيرُه يصلُّون خلف الوليد بن عقبة، وكان يشْرب الخمر، حتَّى إنَّه صلَّى بِهِم مرَّة الصُّبح أربعًا ثمَّ قال: أزيدكم؟ فقال ابنُ مسعود: ما زِلْنا معك منذ اليوْم في زيادة؛ ولهذا رفعوه إلى عثمان.


وفي "صحيح البخاري": أنَّ عثمان - رضِي الله عنْه - لمَّا حُصِر صلَّى بالنَّاس شخصٌ، فسأل سائلٌ عثمان، فقال: إنَّك إمام عامَّة، وهذا الذي يصلّي بالنَّاس إمام فتنة، فقال: يا ابنَ أخي، إنَّ الصلاة من أحسنِ ما يعمل النَّاس، فإذا أحسَنوا فأحسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنِب إساءتَهم.

ومثل هذا كثير.

والفاسق والمبتدع صلاتُه في نفسه صحيحة، فإذا صلَّى المأموم خلْفه لم تبطُل صلاته، لكن إنَّما كره مَن كرِه الصَّلاة خلفه؛ لأنَّ الأمر بالمعْروف والنَّهي عن المنكر واجب، ومِن ذلك أنَّ مَن أظْهر بدعةً أو فجورًا لا يرتَّب إمامًا للمسلمين؛ فإنَّه يستحقّ التَّعزير حتَّى يتوب، فإذا أمْكن هجره حتَّى يتوب، كان حسنًا، وإذا كان بعض النَّاس إذا ترك الصَّلاة خلفه، وصلى خلف غيرِه، أثَّر ذلك حتَّى يتوب أو يعزل، أو ينتهي النَّاس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصَّلاة خلْفه كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة.

وأمَّا إذا كان ترك الصَّلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة، فهنا لا يترك الصَّلاة خلفهم إلاَّ مبتدع مخالف للصَّحابة - رضي الله عنْهم.

وكذلك، إذا كان الإمام قد رتَّبه ولاة الأمور، ولم يكن في ترْك الصَّلاة خلفه مصلحة، فهنا ليس عليه ترْك الصَّلاة خلفه؛ بل الصَّلاة خلف الإمام الأفضل أفضل، وهذا كلُّه يكون فيمَن ظهر منْه فسقٌ أو بدعة تظهر مخالفتُها للكِتاب والسنَّة، كبِدْعة الرَّافضة والجهميَّة ونحوهم". انتهى كلامه.

فلا يجوز أن يرتَّب مَن يظهِر فسقًا إمامًا للمسلمين، فإن أمكن هجْرُه حتَّى يتوب أو يعزل عن الإمامة، والصَّلاة خلف غيره، كان في ذلك مصلحة شرعيَّة من الإنكار عليه، ولم تفُتْكم صلاة الجماعة، أمَّا إذا لم يكن هناك مسجدٌ آخَر، فصلُّوا خلفه،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام