احتساب العيدية من زكاة المال

منذ 2015-10-02
السؤال:

هل يجوز أن أجعل عيدية أخواتي من مال الزكاة، وإذا أعطيت عيدية لأولادي وبناتي فهل يشترط أن أعطي الجميع نفس المبلغ، فما الحكم في ذلك؟ 

الإجابة:

العيدية كما هو معروف بين الناس هي مبلغ من المال، يعطيه الشخص لقريبه بمناسبة حلول العيد – عيد الفطر أو عيد الأضحى – وهذه العيدية صارت لازمة أو شبه لازمة بحكم العرف، حيث إن الناس قد تعارفوا على ذلك، وهذا عرف صحيح يتفق مع الشرع، فالعيدية من باب البر والصلة والإحسان والمرؤة، ومن باب بذل المعروف للأقارب، وهذه المعاني مقررة شرعاً بنصوص الكتاب والسنة، والعرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية معتبر عند أهل العلم، قال الإمام القرافي: "وأما العرف فمشترك بين المذاهب ومن استقرأها وجدهم يصرحون بذلك فيها" (شرح تنقيح الفصول ص 488). وقال الشيخ العلامة ابن عابدين الحنفي:
والعرف في الشرع له اعتبارُ لذا عليه الحكم قد يدارُ رسالة (نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف) ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين 2/112.

وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك كما في قولهم: العادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها، وغير ذلك. "وسلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية أو القضاء أو الشهادات والعقوبات وغيرها ويعمل بالعرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن أو السنة واضح الدلالة قطعياً أو نصاً تشريعياً كالقياس ويعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص اتباعاً للقاعدة الشرعية الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي" (نظرية العرف ص 48).

ومن أوسع مجالات إتباع العرف ما يتعلق بالأسرة مثل عشرة النساء والنفقة عليهن ومن ضمن ذلك ما تعارف عليه الناس من تقديم العيدية للأقارب، وهذا عرف صحيح ينبغي اعتباره والعمل به فهو لا يصادم النصوص الشرعية بل يؤكد مقاصد الشارع الحكيم.
إذا تقرر هذا فإنه لا يصح شرعاً اعتبار العيدية للأخوات من الزكاة إن لم يكن من أهلها، وذلك لأن الزكاة لها مصارفها المقررة شرعاً، ولا يجوز صرف الزكاة إلا في تلك المصارف، يقول الله سبحانه وتعالى في بيان مصارف الزكاة:  {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة الآية 60].

وقد أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا تصرف إلا في المصارف الثمانية المذكورة في الآية الكريمة ولا حق لأحدٍ من الناس فيها سواهم، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "هذه لهؤلاء". وقد روي في الحديث عن زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته – وذكر حديثاً طويلاً – فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إن الله لم يرض بحكم نبيٍ ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت في تلك الأجزاء أعطيتك حقك» (رواه أبو داود والبيهقي والدار قطني وفي سنده ضعف). وإعطاء الأخوات من الزكاة يجوز شرعاً في حالة كون المزكي غير ملزمٍ شرعاً بالإنفاق عليهن، وهناك خلاف بين أهل العلم في النفقة على الأقارب غير الأصول والفروع، مثل الأخ أو الأخت والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم. والقول الراجح في ذلك هو: إن النفقة تجب على ذي الرحم الوارث، سواء ورث بفرض أو تعصيب أو برحم، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وبناءً على ذلك لا يجوز أن يعطي الرجل زكاة ماله لمن وجبت عليه نفقته، فمثلاً أخرج المزكي زكاة ماله وله أخت وليس لها من ينفق عليها إلا المزكي المذكور، فلا يجوز أن يعطيها من زكاة ماله. وهذا الأساس الذي بني عليه الحكم في المنع من إعطاء الزكاة للأقارب إذا كانت النفقة واجبة على المزكي، قال به جماعة من أهل العلم من السلف والخلف فمن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي حفصة قال: "سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة فقال: ما لم يغلق عليكم باباً" (المصنف 3/192)، – أي ما لم يضمها إلى عياله -. وما رواه أيضاً بإسناده عن عبد الملك قال: قلت لعطاء: "أيجزي الرجل أن يضع زكاته في أقاربه، قال: نعم إذا لم يكونوا في عياله" (المصنف 3/192).

وما رواه أيضاً عن سفيان الثوري أنه قال: "لا يعطيها من تجب عليه نفقته" (المصنف 3/192) وروى أبو عبيد القاسم بن سلام بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا لم تعط منها أحداً تعوله فلا بأس"، ورواه الأثرم في سننه بلفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا كان ذوو قرابة فأعطهم من زكاة مالك وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول" (نيل الأوطار 4/200). وقال أبو عبيد: قال لي عبد الرحمن: "إنما كرهوا ذلك لأن الرجل إذا ألزم نفسه نفقتهم وضمهم إليه ثم جعل ذلك بعده إلى الزكاة كان كأنه قد وقى ماله بزكاته" (الأموال ص695).

وأما إذا لم تكن نفقة الأخوات واجبة على المزكي، فيجوز إعطاؤهن من الزكاة، بل الأخوات أولى بالزكاة من غيرهن في هذه الحالة، وللمزكي أجران أجر الصدقة وأجر الصلة، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» (رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه الحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه العلامة الألباني في إرواء الغليل 3/387).

قال المباركفوري: "قوله: «الصدقة على المسكين» أي صدقة واحدة «وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة» يعني أن الصدقة على الأقارب أفضل لأنه خيران ولا شك أنهما أفضل من واحد" (تحفة الأحوذي 3/261). وجاء في الفتاوى الهندية: "والأفضل في الزكاة والفطر والنذور الصرف أولاً إلى الأخوة والأخوات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى الأعمام والعمات، ثم إلى أولادهم ثم إلى الأخوال والخالات، ثم إلى أولادهم، ثم إلى ذوي الأرحام ثم إلى الجيران ثم إلى أهل حرفته ثم إلى أهل مصره أو قريته" (الفتاوى الهندية 1/190).

وأما إعطاء الزكاة للأخوات – إن كن من أهلها – تحت غطاء العيدية فهذا فيه نوع إيهام غير مقبول، لأن الناس يعرفون أن العيدية من مقتضيات الأعراف الحميدة، وأما الزكاة فإنها مما أوجبه الله تعالى، وكذلك فإن إعطاء الزكاة للأخوات – إن كن من أهلها – تحت غطاء العيدية، فيه دفاع عن مال المعطي ووقاية له مما لزمه عرفاً، ولا يصح شرعاً جعل الزكاة وقايةً لمال المزكي مما لزمه شرعاً كالنفقات الواجبة أو عرفاً كالعيدية، كما أنه لا يصح جعل الزكاة وقاية من مال لا تستطيع الوصول إليه، كما يفعله بعض المزكين من احتساب ديونهم على الفقراء العاجزين عن السداد من مال الزكاة، قال أبو عبيد القاسم بن سلام، في تعليل منع احتساب الدين من الزكاة: "… إني لا آمن أن يكون إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدين قد يئس منه فيجعله ردءاً لماله يقيه به إذا كان منه يائساً…" (الأموال ص533-534).

 

وأما العدل عند إعطاء الأولاد والبنات العيدية، فمطلوب شرعاً لعموم الأدلة الواردة في العدل بين الأولاد، وقد رفض الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد على إعطاء أحد الصحابة لأحد أولاده عطية دون الآخرين كما جاء في الحديث عن عامر قال: «سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي أعطيةً فقالت عمرة بنت رواحة – أم النعمان – لا أرضى حتى تشهد رسول صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال فرجع فردَّ عطيته» (رواه البخاري)، وفي روايةٍ أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير والد النعمان «لا تشهدني على جورٍ أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم. قال: أشهد على هذا غيري» (رواه أبو داود بسندٍ صحيح).

ويدل على أنه يجب على الأب أن يسوي بين أولاده في الهبات والعطايا قوله صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو حديثٌ صحيح كم قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/677). وقوله صلى الله عليه وسلم: «سووا بين أولادكم في العطية لو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء» (رواه سعيد بن منصور والبيهقي وقال الحافظ ابن حجر إسناده حسن). وقال صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أولادكم في النِحَل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البِر» (رواه مسلم). ومن الجدير بالذكر أن جمهور الفقهاء يرون أن الذكر والأنثى سواءٌ في الهبات والأعطيات وكذا في العيديات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد «فسووا بينهم»، وفي روايةٍ أخرى «أليس يسرك أن يكونوا في البر سواء»، والبنت كالابن في وجوب برها لأبيها. ولكن يجوز التفضيل بينهم لسبب معتبر شرعاً، والقول بجواز تفضيل بعض الأولاد لمسوغ شرعي لا بأس به ولا يخالف الأدلة الواردة في وجوب العدل بين الأولاد في العطية، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة السعودية: "المشروع في عطية الأولاد هو التسوية بينهم في العطاء على السواء، ولا يجوز التفضيل إلا لمسوغ شرعي؛ لكون أحدهم مقعداً أو صاحب عائلة كبيرة أو لاشتغاله بالعلم، أو صرف عطية عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يعصي الله فيما يأخذه…" (فتاوى اللجنة الدائمة 16/193).

وخلاصة الأمر أنه لا يجوز للشخص أن يحتسب العيدية من زكاة ماله، بل ينبغي أن تكون العيدية من ماله الخاص، وينبغي العدل بين الأولاد في العيدية فلا يعطي بعضهم ويحرم الآخرين، وتجوز المفاضلة في مبلغ العيدية بين الأولاد، فالكبير يعطى أكثر من الصغير، ولا تشترط المساواة بينهم فيها.

حسام الدين عفانه

دكتوراه فقه وأصول بتقدير جيد جداً، من كلية الشريعة جامعة أم القرى بالسعودية سنة 1985م.