وضع اليدين على الصدر في الصلاة

منذ 2016-02-15
السؤال:

هل هناك حديث ثابت في أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان يضَع يديْه على صدْرِه في الصَّلاة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن الأصل أن يضع المصلي يده اليمنى على اليسرى إذا كان في الصلاة، وقد جاءت بذلك عدة أحاديث منها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد الساعشدي رضي الله عنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.

قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرج مسلم في "
صحيحه" عن وائل بن حجر رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبَّر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى... الحديث.

وحيث إن الأصل وضع اليمين على الشمال، فقد اختلف أهل العلم في المكان الذي يضع المصلي فيه يديه؛ قال الترمذي رحمه الله في "
جامعه": "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم؛ يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم". اهـ.

وقال ابن المنذر في "
الأوسط": "واختلفوا في المكان الذي توضع عليه اليد من السرة؛ فقالت طائفة: تكونان فوق السرَّة، وروي عن علي أنه وضعهما على صدره، وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: فوق السرَّة، وقال أحمد بن حنبل: فوق السرَّة قليلاً، وإن كانت تحت السرَّة فلا بأس.

وقال آخرون وضع الأيدي على الأيدي تحت السرَّة، روي هذا القول عن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وإبراهيم النخعي، وأبي مجلز...، وبه قال سفيان الثوري وإسحاق، وقال إسحاق: تحت السرَّة أقوى في الحديث، وأقرب إلى التواضع. وقال قائل: ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن شاء وضعهما تحت السرَّة، وإن شاء فوقها. وقد روي عن مهاجر النبَّال أنه قال: وضع اليمنى على الشمال ذلٌّ بين يدي عزٍّ". اهـ.

وهذا الكلام الذي نقله ابن المنذر عن قائله الذي لم يسمِّه كلام دقيق يظهر أنه صدر بعد تتبع؛ لأننا لم نجد حديثاً ثابتاً في المكان الذي توضع فيه اليدان، وجميع ما ورد فيه معلول.

ومن ذلك: ما روى ابنُ خزيمة في "
صحيحه" عن وائل بن حجْر -رضِي الله عنْه- قال: "صليت مع رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- ووضَع يده اليُمنى على يدِه اليُسرى على صدره".

وهذا الحديث قال عنه الألباني رحمه الله في تعليقه على صحيح ابن خزيمة: "إسناده ضعيف لأن مؤملًا ـ وهوَ: ابن إسماعيل ـ سيِّئ الحفظ، لكن الحديث صحيح جاء من طرق أخرى بمعناه، وفي الوضع على الصدر أحاديث تشهد له".

وقال في
"صفة صلاة النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم" (ص: 69): "وضْعُهما على الصَّدر هو الَّذي ثبت في السنَّة، وخلافه إمَّا ضعيف أو لا أصْلَ له". اهـ.

وقال السندي في "
حاشية ابن ماجه": "وبالجُمْلَة، فكما صَحَّ أنَّ الوَضْع هُوَ السُّنَّة دُون الإرْسَال، ثبَتَ أنَّ مَحَلَّه الصَّدْر لا غَيْر، وأمَّا حَدِيث: إنَّ مِن السُّنَّة وَضْع الأكُفِّ على الأكُفِّ في الصَّلاة تَحْت السُّرَّة، فقَد اتَّفَقُوا على ضعْفِه". اهـ.

وقال المباركفوري: "فالحاصل أنَّ حديث وائل بن حجْر صحيح، قابل للاحتِجاج والاستِدلال به على وضْع اليدين على الصَّدر في الصَّلاة، تام صحيح". اهـ.

وهذا الحديث هو من أقوى ما استدل به من يرى وضعهما على الصدر، وهو من رواية مؤمَّل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب بن شهاب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، به.

وهذه رواية منكرة؛ فمؤمَّل بن إسماعيل القرشي سيِّئ الحفظ كما قال الحافظ ابن حجر في "
التقريب"، وقد روى هذا الحديث عن سفيان الثوري: وكيع بن الجراح، وعبدالرزاق، ويحيى بن آدم، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبدالله بن الوليد، ومحمد بن يوسف الفريابي، جميعهم رووه عن سفيان الثوري، ولم يذكر أحد منهم وضع اليدين على الصدر، ومع ذلك فقد روى هذا الحديث شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن إديس، ومحمد بن فضيل، وعبدالواحد بن زياد، وعبدالعزيز بن مسلم، وزائدة بن قدامة، وزهير بن معاوية، وبشر بن المفضل، جميعهم رووه عن عاصم بن كليب؛ فلم يذكر أحد منهم وضع اليدين على الصدر.

وقد رواه أيضاً عبدالجبار بن وائل عن علقمة بن وائل، ومولىً لهم، كلاهما روياه عن وائل بن حجر، فلم يذكرا وضعهما على الصدر.

فهذا كله يدل على نكارة رواية مؤمل بن إسماعيل. انظر تخريج هذه الطرق المذكورة في
"المسند الجامع".

ومن الأحاديث التي يستدل بها أيضاً: حديث هلب الطَّائي، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده، قال: حدَّثنا يَحيى بن سعيد، عن سُفيان، ثنا سِماك، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه، قال: رأيتُ رسولَ الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- ينصرِف عن يَمينِه وعن يساره، ورأيتُه يضَع هذه على صدره". اهـ. وسنده ضعيف؛ فقبيصة بن هلب قال عنه ابن المديني والنسائي: "مجهول". ووثقه العجلي وابن حبان، وهما معروفان بالتساهل في التوثيق، ومع ذلك فكل من روى هذا الحديث عن سفيان الثوري، أو عن سماك بن حرب لم يذكروا الوضع على الصدر، إلا يحيى بن سعيد القطان في روايته عن سفيان الثوري.

وروي أيضًا الوضع على الصدر عن طاوُس مرسلاً، قال: كان الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يضَع يدَه اليُمْنى على يده اليُسْرى، ثمَّ يشدُّهما على صدره وهو في الصَّلاة. أخرجه أبو داود في "
سننه"، وهو ضعيف لإرساله، لكن سنده صحيح إلى طاووس.

والخلاصة أنه لا يصح حديث في وضع اليدين على الصدر، غير أن الوارد فيه أقوى من الوارد في غيره، وبخاصة مرسل طاوس،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام