دفع شبهة حول من لا تغيب شمسهم أو لا تشرق

منذ 2016-06-14
السؤال:

يقول شخص مسيحي: المسلمون يعتمدون سواء في صيامهم أو صلاتهم على موضع الشمس، وعلى وقت الغروب أو الشروق، إذن ماذا عن المناطق التي لا تشرق فيها الشمس لمدة تزيد عن ستة أشهر، يقول إذن من شرع الصيام والصلاة لا يمكن أن يكون الله، لأنه ليست له دراية كافية بالكرة الأرضية.

أي الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وحاشى أن يكون كذلك "أستغفر الله العظيم"، فما ردّكم يا فضيلة الشيخ؟

وجزاكم الله عنّا خيراً.

الإجابة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن اعتماد المسلمين في توقيت صيامهم وصلاتهم على غروب الشمس، أو زوالها، أو شروقها، مع وجود أماكن من الأرض لا تشرق فيها الشمس لمدة ستة أشهر، أو نحو ذلك، لا يعني أن هذا التشريع ليس من عند الله، لأن هذه الأماكن نادرة بالنسبة لباقي المعمورة، وهذا لا ينكره أحد.

الأمر الثاني: عندما اطلع المسلمون على هذه الأماكن، أو علموا بها، لم يتردد علماؤهم في توضيح كيفية الصيام والصلاة في هذه الأماكن، مستدلين بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذهبوا إليه، ففي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في جواب عن سؤال ورد عن تحديد صلاة وصيام من يقيم في مثل هذه البلاد ما نصه:

"من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً ولا تطلع فيها الشمس شتاءاً، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلاة المفروضة بعضها عن بعض؛ لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف، حتى قال يا محمد إنها خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة إلى آخره.

وثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، فقال: "هل علي غيرهن"، قال: «لا إلا أن تطوع»... الحديث.

ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: "يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك"، قال: «صدق»... إلى أن قال: "وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا"، قال: «صدق»، قال: "فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا"، قال: «نعم».

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال فقيل له: "ما لبثه في الأرض"، قال: «أربعون يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم»، فقيل يا رسول الله: "اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم"، قال: «لا اقدروا له»...

فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسؤول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل والنهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة، وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه، ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم منه وغروب شمسه في أقرب بلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعها أربعاً وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه، إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة". انتهى.

إذا علمت هذا، فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأن شريعته من عند الله تعالى، ثم إنه لو لم يوجد في الشرع الحنيف جواب عن كيفية صلاة وصيام من كان في مثل هذه البلاد لأمكن للمشكك أن يقول: ما قال.

لكن ما دام حكم تحديد صلاة وصيام هؤلاء واضحاً لعلماء المسلمين قديماً وحديثاً، مستندين في ذلك على ما ثبت في السنة النبوية، فقد انقطعت الحجة وانتهت الشبهة إن كانت، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

والله أعلم.