القرض
يسأل: هل يجوزله أن يقترض من البنك لإكمال بناء المنزل؟
أنا مقيم حالياً بشقة إيجار ويوجد قطعة أرض وأبى سيبني الأساسات، هل يجوز لى أن أقترض من البنك لإكمال البناء أم لا؟
يا ليت الأخوة يفيدونى بذلك.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رَسُول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فمن المعلوم أن القرض البنكي لا يكون إلا بفائدة، وهذا من رِبا الديون المجمع على تحريمه، فقد اتفق العلماء على أن كل قرض جر نفعًا فهو من الربا المحرم، كأنْ يقرضه مالًا، ويشترط عليه أن يسكن داره، أو يقرضه مالًا بفائدة، وفي صحيح البخاري عن أبي بردة، قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال: «ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا، وتدخل في بيت»، ثم قال: «إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه فإنه ربا».
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (4/ 240):
"وكل قرض شرط فيه أن يزيده، فهو حرام، بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة على ذلك ربا"، وفي –"دليل الطالب لنيل المطالب" (ص: 138):
"وكل قرض جر نفعًا فحرام، كأنْ يسكنه داره أو يعيره دابته أو يقضيه خيرًا منه".
إذا عُرف هذا تبين لنا أن فوائد البنوك التي تحصل على القرض هي من الربا، التي تَوَعَّد اللهُ عليها بالحرب والمحق، وذهاب البركة، فقال – تعالى -: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276]، والله تعالى لم يتوعد على ذنب من الذنوب بمثل ما توعد فيه آكل الربا وموكله؛ فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278، 279]، حتى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحَيْنِ: «لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ» ، واللعن هو الطرد من رحمة الله، وآكِلُ الرِّبا: آخِذُه، ومُوكِله: معطيه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «دِرْهَمٌ رِبا يأكُلُه الرَّجُل - وهو يعلم - أشَدُّ عند اللَّهِ منْ سِتَّةٍ وثلاثين زَنيةً»؛ رواهُ أحْمدُ والطَّبرانيُّ وصحَّحه الألبانيُّ في "الجامع".
وقال: «الربا اثنانِ وسَبعونَ بابًا أدْنَاهَا مثلُ إتيانِ الرَّجُلِ أُمَّه»؛ رواه الطبرانيُّ في "الأوسط"، وصحَّحه الألباني في "الجامع".
قال ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (3/ 148):
"واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع، وفيما تقرر في الذمة من بيع، أو سلف، أو غير ذلك، فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه وهو ربا الجاهلية الذي نُهي عنه، وذلك أنهم كانوا يُسلفون بالزيادة وينظرون فكانوا يقولون: أنظرني أزدك، وهذا هو الذي عناه عليه الصلاة والسلام بقوله في حجة الوداع: «ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب»". اهـ.
والحاصل أن الفائدة التي يحصل عليها البنك مقابل القرض، هي عَيْنُ الرِّبا المُحرَّم بالكتابِ والسُّنَّة وإجْماع المسلمين الذين يُعتدُّ بقوْلِهم، وليس لأحدٍ التَّعامُل بالرِّبا إلا عند الضَّرورة الملجئة التي تُبيحُ أكلَ الميتة وشُرب الخمر، والتي لا يُمكِنُ دفْعُها إلا بذلك؛ لقوْلِ الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْوَاسْمَعُواوَأَطِيعُوا} [التغابن: 16] والذي يظهر أن إكمال البناء ليس من الضروريات التي تجيز الوقوع في الربا، لأن الضرورة تندفع بالإيجار.
وعليه، فلا يجوز للسائل الكريم الإقدام على القرض البنكي من أجل بناء المنزل،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: