الحجاب الشرعي
تسأل: هل يكفي في الطرحة -لتكون حجابًا شرعيًا- أن تستر الرأس والنحر والصدر، أم يجب أن تستر النحر والصدر والكتفين والظهر أيضًا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أريد أن أسال وأعرف هل الحجاب الشرعي لا بد أن يكمل فى أن الطرحة يجب أن تغطى النحر والصدر والكتفين والظهر، أم يجوز أن يكتفى على ستر الرأس والنحر والصدر؟ حيث أني أرتدي طرحة ولكن لا تغطي كتفي وظهري، وذراعي الجلباب مهندمين على يدي بشكل ما، وأريد أن أعرف هل هذا لبس يرضي عنه الله عز وجل أم لا فأني في ضيق من أمري؟
أفادكم الله ونفع بكم ووفقكم لكل ما يحبه ويرضاه.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رَسُول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإن المتأمل لما أمر الله به في كتابه بشأن لباس المرأة، وحجابها الشرعي، علم أن الشارع الحكيم لم يفرض هيئة ولا طريقة معينة، وإنما وضع شروطًا وضوابط، فكل لباس توفرت فيه ضوابط الحجاب، جاز للمرأة لبسه.
وهذه الضوابط هي: ستر جميع الجسد بالثياب الفضفاضة غير الضيقة، وألا يكون اللباس زينة في نفسه؛ حتى لا يلفت أنظار الرجال، وأن يكون صفيقًا لا يظهر البشرة، فضفاضًا لا يصف حجم الأعضاء؛ لأن الغاية هي الستر، ولا يشبه لباس الرجال، ولا يشبه لباس الفاجرات ولا الكفارات، ولا يكون لباس شهرة، مع ترك التعطر عند الخروج من البيت.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، وقال سبحانه: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]
وروى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»
فأمر الله بستر جميع زينة المرأة وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد، ما لا يمكن إخفاؤه كالثياب.
إذا تقرر هذا؛ فالخمار أو الطرحة أو القطعة التي تضعها النساء على رؤوسهن في زماننا هذا، إن كانت تستر الرأس الرقبة والصدر: فيجوز الاقتصار عليها مع العباءة التي تستر بقية الجسم، ويعتبر ذلك حجابا شرعيًا، ولا يشترط تغطية الكتفين بتلك القطعة؛ لأنها تم سترهما بالعباءة، وكذلك الظهر والذراعين، فالله سبحانه أمر بستر العورات عمومًا، ولم يذكر كل عضو بعينه، فأمر بضرب الخمر على فتحة الصدر ليسترن نحورهن وأعناقهن وآذانهن بالخمار الذي هو غطاء الرأس؛ لأن نساء الجاهلية كن يغطين رؤوسهن ويتركن النحر والصدر باديين؛ كما قال الإمام القرطبي في تفسيره (12/ 230):
"وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة، وهي المقانع، سدلنها من وراء الظهر. قال النقاش: كما يصنع النبط، فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك، فأمر الله تعالى بلي الخمار على الجيوب، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها.
روى البخاري عن عائشة أنها قالت: "رحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، شققن أزرهن فاختمرن بها".
ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهم، وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هنالك، فشقته عليها، وقالت: إنما يضرب بالكثيف الذي يستر.
إلى أن قال: الخُمر: جمع الخمار، وهو ما تغطي به رأسها، والجيوب: جمع الجيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص.
في هذه الآية دليل على أن الجيب إنما يكون في الثوب موضع الصدر، وكذلك كانت الجيوب في ثياب السلف رضوان الله عليهم، على ما يصنعه النساء عندنا بالأندلس، وأهل الديار المصرية من الرجال والصبيان وغيرهم، وقد ترجم البخاري رحمة الله تعالى عليه (باب جيب القميص من عند الصدر وغيره)" اهـ. مختصرًا
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره (8/ 2576) عن سعيد بن جبير في قول الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} "يعنى النحر والصدر ولا يرى منه شيء، وروي عن مقاتل بن حيان أنه قال: على صدورهن". اهـ.
وعليه فلا بأس أن يكون الخمار ساترًا للرأس والنحر والصدر فقط،،
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: