لا أستطيع المذاكرة وأنا صائم، هل يجوز لي الإفطار؟
أنا مقبل على امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية القسم العلمي، ولا أستطيع المذاكرة وأنا صائم، هل يجوز لي الإفطار؟
أنا مقبل على امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية القسم العلمي، ولا أستطيع المذاكرة وأنا صائم، هل يجوز لي الإفطار؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا يخفى على الابن السائل أن تعمد الإفطار في نهار رمضان -من غير عذر- من أكبر كبائر الذنوب، وانتهاك حرمة هذا الوقت المعظم.
فلا يجوز الفطر بسبب الشعور بالجوع أو العطش، إلا أن يكون مفّرِطًا ومرهقًا غيرَ متحمل، أو خشي ذهاب بعض الحواسّ بغلبة الظن لا الوهم، فيجوز حينئذ أن يأكل بقدر ما تندفع به الضرورة؛ سواء كان طالبًا أو غيره.
وقد أوجب أهل العلم على من خاف الهلاك على نفسه أن يفطر وينقذ نفسه بقدر ما يحفظ عليه حياته؛ لقوله - تعالى -: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173]، وقال – تعالى -: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
أما مجرد عدم التركيز في المذاكرة بسبب مشقة الصوم، فلا تبيح الفطر، وممن أفتى بعدم جواز الفطر للمذاكرة أو الامتحانات علماء اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، والشيخ ابن باز.
فاستعن بالله ولا تعجِز، ونظم وقتك، وحافظ وجبة السحور؛ ففيه بركة أخروية ودنيوية في التقَوِّي على الأعمال في النهار، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» متفق عليه.
كما احرص على تأخير السحور؛ قال الإمام البخاري في صحيحه بابٌ (تأخير السحور) وأورد فيه حدث سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: «كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم».
والحاصل؛ أن الصوم طاعة الله، ومن أعظم أسباب التوفيق في الدنيا والآخرة.
وتأمل ما كتبه الإمام ابن القيم في شأن الصوم في كتابه "مفتاح دار السعادة" (2/ 3):
"وأما الصوم؛ فناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين، فإن النفس إذا خليت ودواعي شهواتها التحقت بعالم البهائم، فإذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشيطان، وصارت قريبة من الله بترك عادتها وشهواتها؛ محبة له وإيثارًا لمرضاته وتقربًا إليه، فيدع الصائم أحب الأشياء إليه وأعظمها لصوقًا بنفسه؛ من الطعام والشراب والجماع من أجل ربه، فهو عبادة ولا تتصور حقيقتها إلا بترك الشهوة لله، فالصائم يدع طعامه وشرابه وشهواته من أجل ربه، وهذا معنى كون الصوم له تبارك وتعالى، وبهذا فسر النبي هذه الإضافة في الحديث فقال: «يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشرة أمثالها، قال الله إلا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي».
حتى أن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضى الله، وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة، التي تكسر الشهوة وتقمع النفس وتحيي القلب، وتفرحه وتزهد في الدنيا وشهواتها، وترغب فيما عند الله، وتذكر الأغنياء بشأن المساكين وأحوالهم وأنهم قد أخذوا بنصيب من عيشهم؛ فتعطف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله؛ فيزدادوا له شكرًا.
وبالجملة فعون الصوم على تقوى الله أمر مشهور، فما استعان أحد على تقوى الله وحفظ حدوده واجتناب محارمه بمثل الصوم، فهو شاهد لمن شرعه وأمر به بأنه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأنه إنما شرعه إحسانًا إلى عباده ورحمة بهم ولطفًا بهم، لا بخلًا عليهم برزقه، ولا مجرد تكليف وتعذيب خال من الحكمة والمصلحة، بل هو غاية الحكمة والرحمة والمصلحة، وإنَّ شرع هذه العبادات لهم من تمام نعمته عليهم ورحمته بهم". اهـ.
نسأل الله أن يوفق جميع طلاب المسلمين، وأن يلهمهم الرشد والسداد،، آمين.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: