العلاقة بين الأسباب وتقدير الله
ما هي العلاقة بين الأسباب وتقدير الله للحوادث وخلق الله لها وخلق المسببات؟
السلام عليكم ورحمة الله،
ما هي العلاقة بين الأسباب وتقدير الله للحوادث وخلق الله لها وخلق المسببات؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الله تعالى خلق الأسباب، وهي مفتقرة إلى الله تعالى، أما المسبَبات فهي مفتقرة إلى أسبابها، ومن الأسباب ما يقتضي مسببَه شيئًا فشيئًا، فإذا كمل السبب، كمل مسببَه، مثل الأكل والشرب فهما سببان للشبع والري، فكلما أخذ بعض لقمة حصل جزء من الشبع، وهكذا، ولا يحصل المسبب إلا بعد حصول السبب وليس معه، وجميع العقلاء يقرون بأن المسبَب يحصل عقب السبب.
والحاصل أن الله خالق كل شيء، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير، أحاط بكل شيء علمًا، وخلق من الأسباب، التي يخلق بها المسببات، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57]، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]، فهذا هو السبب، ثم قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16]، وهذا هو المسبب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/ 112-113)
"... ومن قال: إنه يفعل عندها لا بها، فقد خالف ما جاء به القرآن، وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع، وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى التي في الحيوان، التي يفعل الحيوان بها مثل قدرة العبد، كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك، فقد أشرك بالله وأضاف فعله إلى غيره، وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولا بد من مانع يمنع مقتضاه إذا لم يدفعه الله عنه، فليس في الوجود شيء واحد يستقل بفعل شيء إذا شاء إلا اللهُ وحده؛ قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49]، أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد، فإنه ليس في الوجود واحد صدر عنه وحده شيء - لا واحد ولا اثنان - إلا الله الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون، فالنار التي خلق الله فيها حرارة، لا يحصل الإحراق إلا بها وبمحل يقبل الاحتراق؛ فإذا وقعت على السمندل والياقوت ونحوهما، لم تحرقهما، وقد يطلى الجسم بما يمنع إحراقه، والشمس التي يكون عنها الشعاع لا بد من جسم يقبل انعكاس الشعاع عليه، فإذا حصل حاجز من سحاب أو سقف، لم يحصل الشعاع تحته "
وقال (8/ 192، 193):
"الدعاء في اقتضائه الإجابة كسائر الأعمال الصالحة في اقتضائها الإثابة، وكسائر الأسباب في اقتضائها المسببات، ومن قال: إن الدعاء علامة ودلالة محضة على حصول المطلوب المسؤول، ليس بسبب أو هو عبادة محضة، لا أثر له في حصول المطلوب وجودًا ولا عدمًا؛ بل ما يحصل بالدعاء يحصل بدونه- فهما قولان ضعيفان؛ فإن الله علق الإجابة به تعليق المسبب بالسبب؛ كقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة، ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له من الخير مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها»، قالوا: يا رسول الله إذًا نكثر، قال: «الله أكثر»، فعلق العطايا بالدعاء تعليق الوعد والجزاء بالعمل المأمور به، وقال عمر بن الخطاب: "إني لا أحمل همّ الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء، فإن الإجابة معه"، وأمثال ذلك كثير، وأيضا فالواقع المشهود يدل على ذلك ويبينه كما يدل على ذلك مثله في سائر الأسباب". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فإن كمال التوحيد بإثبات الأسباب، وارتباطها بالمسببات، وهي من قدر الله وعلمه وخلقه،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: