اللحية
هل ترك اللحيه واجبا سيسأل عنه المسلم وهل يجب ان تكون طويله ام متوسطه وخفيفه قليلا؟ وهل يجب حلق معها الشارب؟
هل ترك اللحيه واجبا سيسأل عنه المسلم وهل يجب ان تكون طويله ام متوسطه وخفيفه قليلا؟ وهل يجب حلق معها الشارب؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإعفاء اللِّحية من الأوامر الشَّرعيَّة المؤكدة، التي يجب على المسلم امتثالُها؛ ففي "الصحيحَيْن" وغيرهما عن ابن عمر – رضيَ الله عنهما - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «خالِفوا المشركين؛ وَفِّروا اللِّحى، وأَحْفُوا الشوارب».
وفيهما عنه قال قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم -: «قُصُّوا الشوارِبَ، وأعفوا اللِّحى؛ خالِفوا المُشركين»؛ متَّفقٌ عليه.
وفي الصحيح عن أبي هريرة قوله: «جُزُّوا الشوارب، وأرخُوا اللِّحى، خالِفوا المَجوس».
والأحاديثُ في هذا الباب كثيرةٌ في "الصحيحَيْن" وغيرهما، والأمر يَقتضي الوجوبَ في قول جمهور الأصوليِّين والفقهاء. واستَدلُّوا بأدلَّة شرعية ولُغَوية وعقليَّة، ذَكَرها عامَّة الأصوليون في كتبهم؛ ومنهم الآمِدِي، والإسنوي في "نهاية السُّول"، وابن حزم في "الإحكام" ... وغيرهم.
قال الآمِديُّ في "الأحكام": "أمَّا الشرعيَّة: فمنها ما يَرجِع إلى الكتاب، ومنها ما يَرجِع إلى السُّنة، ومنها ما يَرجع إلى الإجماع.
أما الكتاب؛ فقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54]. ثم هدَّد عليه بقوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: 54]، والتَّهديد على المخالَفة دليلُ الوجوب.
وأيضًا قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، ووجه الاستدلال به: ما سبق في الآية التي قبلها.
وأيضًا قوله تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، أورَد ذلك في معرِض الذَّمِّ بالمُخالَفة، لا في مَعرِض الاستفهام، اتفاقًا، وهو دليل الوجوب الثَّابت في لغة العرب.
وأيضًا قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، ذمَّهم على المخالَفة، وهو دليل الوجوب.
وأيضًا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، والمُراد من قوله: {قَضَى}؛ أي: ألْزَم، ومن قوله: {أَمْرًا}؛ أي: مَأمورًا، وما لا خِيَرة فيه من المأمورات لا يكون إلاَّ واجبًا.
وأيضًا قوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]. وقوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6]. وقوله: {لَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69]، وَصَفَ مُخالِف الأمر بالعِصيان، وهو اسم ذَمٍّ، وذلك لا يكون في غير الوُجوب.
وأيضًا قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65]؛ أي: أَمَرت، ولولا أنَّ الأمر للوجوب؛ لما كان كذلك.
وأما السُّنة: فقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبَريرة – رضيَ الله عنها - وقد عُتِقت تحت عبد وكرِهَته: «لو راجَعتِه»، فقالت: "بأمرك يا رسول الله"، فقال: «لا، إنما أنا شافِعٌ»، فقالت: "لا حاجة لي فيه". فقد عَقِلَت أنه لو كان أمرًا لكان واجبًا، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قرَّرها عليه.
وأيضًا قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتهم بالسِّواك عند كلِّ صلاة»، وهو دليل الوجوب، وإلا فلو كان الأمر للنَّدب فالسِّواك مندوبٌ.
وأيضًا قوله لأبي سعيد الخُدْري - حيث لم يُجِب دعاءه وهو في الصلاة -: «أما سمِعت الله تعالى يقول: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]». وبَّخَه على مُخالَفة أمره، وهو دليل الوجوب.
وأيضًا فإنه لما سأله الأقرع بن حابس: "أحِجُّنا هذا لعامنا، أم للأبد؟". قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «بل للأبد، ولو قُلت: نعم؛ لوَجَبَ». وذلك دليلٌ على أن أوامره للوجوب.
وأما الإجماع: فهو أنَّ الأمَّة في كل عصر لم تَزَل راجِعة في إيجاب العبادات إلى الأوامر من قوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، إلى غير ذلك، من غير توقُّف. وما كانوا يَعدِلون إلى غير الوجوب إلا لمُعارِض.
وأيضًا فإن أبا بكر - رضيَ الله عنه - استدلَّ على وجوب الزَّكاة على أهل الرِّدَّة بقوله: {وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، ولم يُنكِر عليه أحدٌ من الصحابة؛ فكان ذلك إجماعًا.
وأما من جهة اللُّغة فمن وجوه:
الأول: وصفُ أهل اللُّغة من خالَف الأمر بكونه عاصيًا، ومنه قولهم: أمرتُك، فعصَيتَني. وقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]. وقول الشاعر: أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا فَعَصَيْتَنِي. والعِصيان اسمُ ذمٍّ، وذلك في غيرِ الوُجوب مُمتَنِع.
وأيضًا: فإن السيِّد، إذا أمر عبدَه بأمر فخالفه - حَسُن الحُكمُ من أهل اللُّغة بِذَمِّه واستِحقاقِه للعِقاب، ولولا أنَّ الأمر للوجوب، لما كان كذلك.
أما من جهة العقل؛ فمن وجوه:
الأول: أن الإيجاب من المُهمَّات في مُخاطَبةِ أهل اللُّغة، فلو لم يَكن الأمر للوجوب لخَلا الوجوبُ عن لفظٍ يدُلُّ عليه، وهو مُمتَنِع مع دعوى الحاجةِ إليه ...". اهـ.
وقد حكى أبو محمد بن حزم – رحمه الله - الإجماع على حُرْمَة حَلقها؛ فقال في مراتب الإجماع (ص: 157):
"وَاتَّفَقُوا أَن حلق جَمِيع اللِّحْيَة مثلَة لَا تجوز". اهـ. وأقرَّه شَيخ الإسلام ابنُ تيمية في "نقض مراتب الإجماع"؛ فلم يَتعقَّبه.
أما قص الشارب فقد اتفق الفقهاء على أن الأخذ منه من السُنَّةِ، ولكن اختلفوا فيما يُسَنُّ أَخْذُهُ من الشارب, وهل يكون الأخذ بالقَصِّ أَمْ بِالحَلْقِ أم بالإِحْفَاءِ، وسبب اختلافهم اختلاف ظواهر الأحاديث الواردة في هذا الباب فمنهم من جوز الحلق بالكلية وهم الحنفية، ومنهم من منع منه وهو المالكية والشافعية، ومنهم من خير بين الحلق والقص والقص أولى، والحفُّ أَوْلَى نَصّاً، وفسروا الحفَّ بالاستقصاء، أي المبالغة في القص، وهم الحنابلة، وهو الراجح؛ لأن فيه إعمال لجميع الأدلة، وأما كون التَّقصير أولى من الحف، فلحديث أبي هريرة عند النسائي -وأصله في "الصحيحين" - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خمسٌ من الفطرة: الختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الظفر، وتقصير الشارب»؛ ففي تلك الرواية التصريح بالتقصير.
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقص أو يأخذ من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرحمن يفعله"؛ رواه الترمذي وقال حسن غريب.
أما الأخذ من اللحية، فالذي يظهر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء وإرجاء وتأخير وتوفير وإرخاء اللحى، يفيد عدم جواز الأخذ منها،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: