حكم الهبة بعد الموت
توفى والدي –رحمه الله- وترك زوجة وأربعة أبناء وبنت، وأثناء حياته ساعد ماليا اثنين فقط من الأبناء الثلاثة الذكور المتزوجين في زواجهم ولم يساعد الثالث وترك وصية (شفهية) للبنت -حضرها امرأتان- بأن تحتفظ بكل المال الذي ادخره في حسابها الخاص حيث يقسم بعد مماته بمبلغ يعادل ثلثه لمصاريف المنزل حتى تنتهي إجراءات صرف المعاش ومبلغ يعادل الثلثين مساعدة للابن الرابع في زواجه لا يمنح له إلا وقت شراء الذهب للعروس حيث لم يتزوج في حياة أبيه، ولم يحضر أحد من الأبناء الذكور وقت الوصية، فهل تعد الوصية واجبة النفاذ أم لا وصية لوارث ويقسم المبلغ على الورثة حيث يوجد خلاف بين الورثة على تنفيذها؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما ذكرت، أن الوالد قد ساعد اثين من أبنائه الذكور في الزواج ولم يساعد الثالث، فالواجب إعطاء الابن الثالث مثل إخويه؛ لأنها هبة ويجب العدل بين الأبناء فيها، أو يرد الأخوان ما أخذا من الأب فيدخل في الميراث؛ ففي "الصحيحين" عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -: تصدَّق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عَمْرَة بن رَوَاحَة: لا أرضى حتى تُشْهِدَ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فجاء أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ ليشهده على صَدَقَتِه؛ فقال: ((أكلُّ وَلَدِكَ أعطيتَ مثله؟)).قال: لا. قال:((فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)). قال: فرجع أبي؛ فَرَدَّ تلك الصَدَقَة". وفي لفظ قال: ((فارْدُدْهُ))، وفي لفظ قال: ((فأَرْجِعْهُ))، وفي لفظ: ((لا تُشْهِدْنِي على جَوْر))، وفي لفظ: ((فأَشْهِد على هذا غيري))، وفي لفظ: ((سوِّ بينهم))، وفي رواية: ((لا تُشْهِدْنِي إذاً؛ إني لا أشهد على جَوْر))، وفي رواية: ((فأَرْجِعْهُ))؛ فردَّه بشير.
قال ابن قُدامة في "المُغْنِي": "فإن خصَّ بعضهم بعَطِيَّة، أو فاضل بينهم؛ أَثِمَ، ووجبت عليه التوبة بأحد أمرين: إما بردِّ ما فضَّل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر". ثم ذكر حديث النعمان، وقال: "وهو دليلٌ على التحريم؛ لأنه سماه ((جَوْراً))، وأمر بردِّه، وامتنع من الشهادة عليه، والجَوْر حرامٌ، والأمر يقتضي الوجوب. ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه".
وعليه، فتصرف الوالد مع ابنته صحيح، وهذه ليست من الوصية الباطلة، وإنما هي هبة مثل إخوته وقد قامت أخته بالقبض هنه.
أما شهادة النساء على مثل هذا فجائزة كما حققه شيخ الإسلام ابن القيم في إعلام الموقعين.
أما مسألة النفقة على الأسرة فلا تجب على الأب بعد موته، فيرد بقية المال للورثة عملاً بحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: ((إن الله قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فلا وصية لوارث))؛ رواه أحمد وأبو داود.
هذا والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: