صرف زكاة الفطر
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن إخراج زكاة الفطر يستمر إلى غروب شمس يوم العيد، ويسن عندهم ألا تتأخر عن صلاة العيد، ويحرم عندهم جميعا تأخيرها عن يوم العيد من غير عذر، ولا تسقط بهذا التأخير بل يجب قضاؤها.
وذهب الحنفية إلى أن وجوب زكاة الفطر هو وجوب موسع في العمر كله، ففي أي وقت أدى كان مؤديًا لا قاضيًا، غير أن المستحب إخراجها قبل الخروج إلى المصلى، ولو مات فأداها وارثه جاز؛ قال في "الدر المختار مع حاشية ابن عابدين" (2/ 72): "(تَجِبُ) وَحَدِيث: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ مَعْنَاهُ: قَدَّرَ؛ لِلإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مُنْكِرَهَا لا يَكْفُرُ (مُوَسَّعًا فِي الْعُمُرِ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ] اهـ.
وقد رخّص العلماء في تأخير إخراجها مدةً يسيرة؛ لمصلحة راجحةٍ، لعدم وجود المستحق، أو لغيبة المال، أو غير ذلك.
كما في "مغني المحتاج"(2/ 112):
" قال الإسنوي: ويمكن أن يقال باستحباب تأخيرها لانتظار قريب أو جار ما لم يخرج الوقت على قياس زكاة المال". اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"الحج واجب على الفور، لكن تأخيره لمصلحة الجهاد، كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو لضرر أهل الزكاة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/537)،
قال ابن قدامة رحمه الله من "المغني " (2/290): " إن أخرها - أي : الزكاة - ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة ، أو ذي حاجة شديدة : فإن كان شيئاً يسيراً : فلا بأس .وإن كان كثيراً : لم يجز ". اهـ.
ومن تأمل أصول الشريعة وقواعدهاعلم أنها اعت مصالح العباد، ومن ثمّ ففي النقول السابقة يلحظ أن مناط الترخيص في تأخير إخراج الزكاة هو وجود المصلحة الراجحة، وحاجة المسكين.
إذا تقرر هذا فيمكن الجمع بين قول الحنفية وقول الجمهور فيقال: إنه يجوز التأخير إذا دعت المصلحة الراجحة والحاجة الشديدة، لا سيما لو كانت الجمعيات الخيرية وكيل عن الفقراء والمساكين في القبض، فالزكاة إذا وصلت إلى يد الوكيل، فكأنها وصلت إلى يد موكل.
ومما يقوي هذا الاعتبار شدة حاجة الأهالي في غزة، من ثم لا يتردد عالم في جواز قبض تلك الجمعيات تلك الأموال كوكيل عن مسلمي غزة، ثم توزعها عليهم وفقًا لمصلحتها طيلة العام، ومن المقرر أن الضرورات تبيح المحذورات، وأن الضرورة تقدر بقدرها كما قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 173]، وقال سبحانه: {مَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 3].
قد تقرر في الشريعة أن الوجوب منوط بالاستطاعة؛ كقوله تعالى:{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.
وعليه؛ فيجوز صرف تلك المبالغ طيلة العام،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: