من أدرك الإمام في التشهد الأخير
اذا وجد الرجل الجماعة في التشهد الاخير وقبل السلام هل الافضل له أن يدخل معهم أم ينتظر جماعة جديدة ؟؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد اختلف العلماء فيمن أدرك الإمام في التشهد الأخير أو قبل أن يسلِّم هل يكون مدركًا للجماعة أم لا؟
فمذهب الحنفية أن فضيلة الجماعة تدرك بتكبيرة الإحرام قبل أن يسلم الإمام، وهو المشهور من مذهب الشافعي، ونص الحنابلة؛ واحتجوا بحديث أبي هريرة في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فماأدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا".
وذهبالمالكية إلىأن الجماعة لا تدرك بركعة كاملة، وهو أرجح القولين؛ واحتج بما ثبت في الصحيحين عنأبي هريرةرضي اللهعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة".
أما الحديث الذي احتج به الجمهور فهو عام في مخصوص بمدرك الركعة.
وقد بسط تلك المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية فقال بعدما حكى مذاهب العلماء وهو يرجح قول المالكية "مجموع الفتاوى" (23/ 331-333):
"والصحيح هو القول الأول -يعني قول مالك- لوجوه:
أحدها أن قدر التكبيرة لم يعلق به الشارع شيئًا من الأحكام لا في الوقت ولا في الجمعة ولا الجماعة ولا غيرها، فهو وصف ملغى في نظر الشارع فلا يجوز اعتباره.
الثاني:أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علق الأحكام بإدراك الركعة، فتعليقها بالتكبيرة إلغاء لما اعتبره واعتبار لما ألغاه، وكل ذلك فاسد فيما اعتبر فيه الركعة وعلق الإدراك بها في الوقت؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدرك أحدكم ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته"، وأما ما في بعض طرقه: "إذا أدرك أحدكم سجدة"، فالمراد بها الركعة التامة كما في اللفظ الآخر؛ ولأن الركعة التامة تسمى باسم الركوع فيقال: ركعة وباسم السجود فيقال سجدة؛ وهذا كثير في ألفاظ الحديث مثل هذا الحديث وغيره.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الإدراك مع الإمام بركعة وهو نص في المسألة؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة"؛ وهذا نص رافع للنزاع.
الرابع: أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة كما أفتى به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم ابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف، وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة، والتفريق بين الجمعة والجماعة غير صحيح؛ ولهذا أبو حنيفة طرد أصله وسوى بينهما ولكن الأحاديث الثابتة وآثار الصحابة تبطل ما ذهب إليه.
الخامس: أن ما دون الركعة لا يعتد به من الصلاة؛ فإنه يستقبلها جميعهًا منفردًا، فلا يكون قد أدرك مع الإمام شيئًا يحتسب له به، فلا يكون قد اجتمع هو والإمام في جزء من أجزاء الصلاة يعتد له به؛ فتكون صلاته جميعًا صلاة منفرد؛ يوضح هذا أنه لا يكون مدركًا للركعة إلا إذا أدرك الإمام في الركوع، وإذا أدركه بعد الركوع لم يعتد له بما فعله معه، مع أنه قد أدرك معه القيام من الركوع والسجود وجلسة الفصل، ولكن لما فاته معظم الركعة وهو القيام والركوع فاتته الركعة؛ فكيف يقال مع هذا إنه قد أدرك الصلاة مع الجماعة! وهو لم يدرك معهم ما يحتسب له به، فإدراك الصلاة بإدراك الركعة نظير إدراك الركعة بإدراك الركوع؛ لأنه في الموضعين قد أدرك ما يعتد له به، وإذا لم يدرك من الصلاة ركعة كان كمن لم يدرك الركوع مع الإمام في فوت الركعة؛ لأنه في الموضعين لم يدرك ما يحتسب له به وهذا من أصح القياس". اهـ.
إذا تقرر هذا فهل يدخل مع الجماعة أم يبحث عن أخرى، فقد سئل أيضًا شيخ الإسلام عن رجل أدرك آخر جماعة وبعد هذه الجماعة جماعة أخرى فهل يستحب له متابعة هؤلاء في آخر الصلاة؟ أو ينتظر الجماعة الأخرى؟
فأجاب كما في "مجموع الفتاوى" (23/258):
"إذا كان المدرك أقل من ركعة، وكان بعدها جماعة أخرى فصلى معهم في جماعة صلاة تامة: فهذا أفضل؛ فإن هذا يكون مصليًا في جماعة بخلاف الأول، وإن كان المدرك ركعة أو كان أقل من ركعة وقلنا إنه يكون به مدركًا للجماعة، فهنا قد تعارض إدراكه لهذه الجماعة وإدراكه للثانية من أولها فإن إدراك الجماعة من أولها أفضل، كما جاء في إدراكها بحدها فإن كانت الجماعتان سواء فالثانية أفضل، وإن تميزت الأولى بكمال الفضيلة أو كثرة الجمع أو فضل الإمام أو كونها الراتبة، فهي في هذه الجهة أفضل، وتلك من جهة إدراكها بحدها أفضل، وقد يترجح هذا تارة وهذا تارة.
وأما إن قدر أن الثانية أكمل أفعالاً وإمامًا أو جماعة، فهنا قد ترجحت من وجه آخر". اهـ.
هذا؛ وقد بين رسول الله - صلىالله عليه وسلم- أن من حرص على صلاة الجماعة، ثم فاتته فإن الأجر يكتب له بحسن القصد والنية الحسنة؛ كما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرةعن رسول الله - صلىالله عليه وسلم- قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثمخرج عامداً إلى المسجد؛ فوجد الناس قد صلوا - كتب الله له مثل أجر من حضرها، ولا ينقصذلك من أجورهم شيئاً"،،والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: