ماضي زوجتي

منذ 2019-05-01
السؤال: السلام عليكم ورحمة الله قمت بالدخول إلى حساب زوجتي في مواقع التواصل الاجتماعي. فوجدت مراسلات لها قبل زواجنا مع شباب قصد التعارف للزواج. أحسست بخيبة أمل فيها علما أنها فتاة ملتزمة، وأحسست بشعور بالغيرة الشديدة والشك، كما بدأت أشعر بندم شديد للبحث في ماضيها والتجسس عليها. فقد ندمت أشد الندم على الإقدام على هذا الأمر. وهذه المشاعر أصبحت تؤرقني وتحزنني. أرجو منكم استشارة من فضلكم. وجزاكم الله خيرا
الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فلا شك أنكَ أخطأت بسوء ظنك في زوجتك الذي دفعك للتجسس عليها، والبحث في خصوصياتها؛ وقد نهي الشارع الحكيم عن هذا وذاك فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا } [الحجرات: 12]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا".

 وبين رسول الله الحكمة من النهي عن تتبع عورات المسلمين فيما رواه أبو داود عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

"إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهم".

وروى أحمد وأبو داود عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".

إذا تقرر هذا فإن كان حال زوجتك الآن هو الاستقامة وذات دينٍ وخُلُق، فلا تلتفت لماضيها؛ فالعبرةُ في المسلم بما هو عليه الآن، مِن المحافظة على أركان الإسلام، وبقية شُعَب الإيمان، والالتزام بالحجاب الشرعي، وغير ذلك مما يَدُلُّ على صلاح حالها؛ فلا يَضُرُّ المسلم ما كان منه قبل التوبة.

ولا يخفى عليك أن الإنسان لا ينفك عن المعصية بطبيعة تكوينه، ولكن المؤمن إذا أذنب تاب واستغفر وستر على نفسه، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم – من وقع في معصية: "مَن أصاب مِن هذه القاذورات شيئًا فلْيَسْتَتِرْ بستر الله".

كما أنه رغيب في ستر المسلم، ورهب من هتكه وتتبع عورته، فقال كما في الصحيحين: "ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة".

فالمذنبَ التائب يَجب عليه ستر نفسه، كما يجب ألا يسأل أحدٌ أحدًا عما قارفه مِن ذنوبٍ أو خطايا، فضلاً عن أن يتجسس عليه؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

وفي الصحيحينِ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سلوني"، فقام عبد الله بن حذافة، فقال: مَن أبي يا رسول الله؟ قال: "أبوك حذافة"، وفي روايةِ مسلم: قالتْ أم عبد الله بن حذافة، لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قط أعق منك؟ أأمنت أن تكونَ أمك قد قارفتْ بعضَ ما تقارف نساء أهل الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس!

وتأمل ما قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة وهو يقرر قاعدة من قواعد الدين والدنيا، فقال في "منهاج السنة النبوية" (2/ 429-434) مختصرًا:

 "فليس مَن تاب إلى الله تعالى، وأناب إليه؛ بحيث صار بعد التوبةِ أعلى درجةً مما كان قبلها - منقوصًا ولا مغضوضًا منه، بل هذا مُفضل عظيم مكرم...، وإذا عرف أنَّ أولياء الله يكون الرجل منهم قد أسلم بعد كفرِه، وآمن بعد نفاقه، وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضل أولياء الله مِن هذه الأمة، وهم السابقون الأولون.

والإنسانُ ينتقل مِن نقصٍ إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية، فلا يُعاب الإنسانُ بكونه كان نطفةً، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، إذا كان الله بعد ذلك خَلَقَهُ في أحسن تقويم، ومَن نَظَر إلى ما كان، فهو مِن جنس إبليس الذي قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]".

وقال (6/ 209-211): "وبالجملة، ليس علينا أن نعرفَ كل واحد تاب، ولكن نحن نعلم أن التوبةَ مشروعة لكل عبد؛ للأنبياء ولمَن دونهم، وأن الله سبحانه يرفع عبده بالتوبة، وإذا ابتلاه بما يتوب منه، فالمقصودُ كمالُ النهاية، لا نقص البداية؛ فإنه تعالى يُحب التوابين، ويُحب المتطهرين، وهو يُبدل بالتوبة السيئات حسنات، والذنبُ مع التوبة يوجب لصاحبه مِن العبودية والخشوع والتواضع والدعاء وغير ذلك ما لم يكنْ يَحْصُل قبل ذلك؛ ولهذا قال طائفة من السلف: إن العبد ليفعل الذنب فيَدخل به الجنة، ويفعل الحسنة فيدخل بها النار، يفعل الذنب فلا يزال نصب عينيه، إذا ذكره تاب إلى الله ودعاه وخشع له؛ فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة، فيعجب بها فيدخل النار، وفي الأثر: "لو لم تُذنبوا لخفتُ عليكم ما هو أعظم من الذنب، وهو العُجب"، وفي أثرٍ آخر: "لو لم تكن التوبةُ أحبَّ الأشياء إليه، لما ابتلى بالذنب أكرم الخَلْق عليه"....

إلى أن قال: والتوبةُ تمحو جميعَ السيئات، وليس شيءٌ يَغفر جميع الذنوب إلا التوبة؛ فإنَّ الله لا يغفر أن يُشركَ به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأما التوبةُ فإنه قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه لمن تاب؛ ولهذا قال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]، بل توبوا إليه]، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 54]" ا. هـ مختصرًا.

وعليه؛ فيجب عليك الستر على زوجتك، ولا تخبرها بما فعلت ورأيت، حتى لا تفقدها الثقة في نفسها وفيك، واطو تلك الصفحة كما طوتها هي بالتوبة والستر على النفس، وتعامل معها على ما هي عليه الآن من استقامة، ودعك عنك نزغات النفس والشيطان،، والله أعلم

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام