حكم من جاءها الحيض قبل أن تتمكن من قضاء الصيام
صديقتي اجلت صيام أيام القضاء التي عليها من رمضان المسبق حتى الحين (باقي اسبوع على رمضان في هذه السنة). همت أن تصوم الأيام التي عليها قضائها، و لكن جاءها الحيض قبل أن تصوم القضاء. انها تعلم أن حيضها لن ينتهي إلى أن يأتي رمضان الجديد. فهل تحاكم بحكم المتأخرة ام بحكم التأخير بعذر؟ هل يجب عليها أن تقضي أيام رمضان المسبق بعد رمضان هذه السنة و تطعم مساكين ام لا؟ شكراً جزيلا ًً.
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فقد اتَّفَق العلماءُ على وُجُوب القضاءِ على كلِّ مَن أفطر في رمضان لعُذْر شرعيٍّ؛ مِنْ مرَضٍ أو حيض، وغيرهما - إن كان قادرًا على الصيام - قبل مجيء رمضان التالي؛ لحديث عَائِشة - رضي الله عنها - قالت: "كَانَ يَكُونُ عَلِيَّ الصَّومِ من رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا في شَعْبَانَ"؛ متفقٌ عليه.
قال الحافظُ: "وَيؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذلك في شَعْبَان: أَنَّهُ لا يجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يدْخُلَ رَمَضَانُ آخرُ". اهـ.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار":
"وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا؛ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ، أَعْنِي قَوْلَهُ: "وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": قَدْ جَزَمَ بِأَنَّهَا مُدْرَجَةٌ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ؛ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِي أَزْوَاجِهِ إلَى سُؤَالِهِ عَنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ، أَعْنِي جَوَازَ التَّأْخِيرِ مُقَيَّدًا بِالْعُذْرِ الْمُسَوِّغِ بِذَلِكَ". اهـ. موضع الحجة منه.
وذهب عامة أهل العلم إلى عدم جواز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر، ومن أخر القضاء أثم عليه ووعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم وهو مذهب جمهور الفقهاء، وهو المروي عن الصحابة كما سيأتي بيانه.
أما كونكِ - أيتُها الأختُ الكريمةُ - قد أخَّرْتِ القضاءَ كلَّ هذه السنوات، فهذا لا يخلو من حالَيْنِ:
قال ابن قُدامة في "المغني"(3/ 153): "من عليه صوما من رمضان، فله تأخيره ما لم يدخل رمضان آخر، ولا يجوز له تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذ؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - لم تؤخره إلى ذلك، ولو أمكنها لأخرته، ولأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخير الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة.
فإن أخره عن رمضان آخر نظرنا؛ فإن كان لعذر فليس عليه إلا القضاء، وإن كان لغير عذر، فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم؛ وبهذا قال ابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق.
وقال الحسن، والنخعي، وأبو حنيفة: لا فدية عليه؛ لأنه صوم واجب، فلم يجب عليه في تأخيره كفارة، كما لو أخر الأداء والنذر.
ولنا ما روي عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، أنهم قالوا: أطعم عن كل يوم مسكينًا، ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلافهم، ولأن تأخير صوم رمضان عن وقته إذا لم يوجب القضاء، أوجب الفدية، كالشيخ الهرم". اهـ. مختصرًا.
وعليه، فإن كانت تلك الأخت قد أخرت القضاء حتى ضاق عليها الوقت بغير عذر، فيجب عليها القضاء وكفارة إطعام مسكين لكل يوم، وإن كانت أخرته لعذر من مرض أو حمل أو رضاع أو غير ذلك، فلا إثم عليها ويجب عليها القضاء فقط بعد انقضاء رمضان،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: