اقتداء بالمبتدع
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن عامة المشركين في كل زمان ومكان قديمًا وحديثًا، أقروا بربوبية الله تعالى، وأن الله سبحانه خالق كل شيء، ولكن أثبتوا الشفعاء مع الله كما قال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ} [الزمر: 43]، وما يتخذه القبوريون من شفعاء هو عين ما فعله المشركون حيث طلبوا القربة والشفاعة من أصحاب القبور: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
وقد بين الله تعالى أن اتخاد الشفعاء هو حقيقته الشرك؛ كما قال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، والمعنى كما قال البغوي: "أتخبرون الله أن له شريكاً، وعنده شفيعاً بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه شريكاً".
فجعل الله تعالى اتِّخاذهم للشفعاء شركاً، ونزَّه نفسَه عنه؛ لأنَّه لا يشفع عنده أحدٌ إلاَّ بإذنه، فكيف يُثبتون شفعاءَ لهم لَم يأذن الله لهم في شفاعة، ولا هم أهل لها، ولا يغنون عنهم من الله شيئا؟
وقد خاطب المشركين بقوله وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:56 - 57].
والحاصل أن الله تعالى ذم الذين اتخذوا من دون الله شفعاء، وأخبر أن لله الشفاعة جميعا؛ فعلم أن الشفاعة منتفية عن غيره إذ لا يشفع أحد إلا بإذنه؛ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} [الروم: 13].
إذا تقرر هذا، فلا يجوز الصلاة خلف من يدعو إلى دعاء الأموات ويزعم ان الأموات شفعاء عند الله؛ لأن الصلاة من كفر ببدعته باطلة.
قال في "المجموع شرح المهذب" (4/ 251):
"ولا تصح الصلاة خلف أحد من الكفار على اختلاف أنواعهم، وكذا المبتدع الذي يكفر ببدعته، فإن صلى خلفه جاهلاً بكفره، فإن كان متظاهرًا بكفره كيهودي ونصراني ومجوسي ووثني وغيرهم، لزمه إعادة الصلاة بلا خلاف عندنا".
أما الصلاة خلف المبتدعة الذي لم يظهر من الشرك، فقد أجاز أكثر أهل العلم والأئمة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع الذي لم يكفر ببدعته إذا لم يمكنه الصلاة خلف غيره، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (23/ 344)
حيث قال: "أما إذا لم يمكنه الصلاة إلا خلفه كالجمعة فهنا لا تعاد الصلاة وإعادتها من فعل أهل البدع وقد ظن طائفة من الفقهاء أنه إذا قيل: إن الصلاة خلف الفاسق لا تصح أعيدت الجمعة خلفه وإلا لم تعد وليس كذلك. بل النزاع في الإعادة حيث ينهى الرجل عن الصلاة. فأما إذا أمر بالصلاة خلفه فالصحيح هنا أنه لا إعادة عليه لما تقدم من أن العبد لم يؤمر بالصلاة مرتين".
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: