زوجي اذا افطر في رمضان لايقضي وهو تارك للصلاة

منذ 2019-05-19
السؤال:

زوجي صام اول تسع ايام من رمضان وفي اليوم العاشر افطر بحجة ان ريقه ناشف ولا يستطيع التحمل حتى الافطار .. في العاشر صام .. في الحادي عشر لم يصم بحجة ان عمله كان متعب جدا .. سؤالي ماذا افعل معه انني اتعذب عوضاً عنه ودائما اذكره بالصيام والاجر وبالاخرة اذا لم يصم .. ايضا هو لا يصلي يعني يصوم من دون صلاة .. واذا افطر من ايام رمضان لايقضيه .. لا اعرف ماذا افعل معه ارجو الرد

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فمن المعلوم أن أمر الهداية إلى الله كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272]، وقال: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} [آل عمران: 73]، وإنما أوجب الله تعالى علينا الدعوة في سبيله إلى الخير.
وما دام زوجك ظالمًا لنفسه لدرجة أنْه فرط في الصلاة التي هي رأس الأمر، وغير مبالي بالصيام، فاجتهدي في نصحه برفق ولين، وتخيري الكلمات الطيبة والموعظة الحسنة، مع عدم استعجال النتائج حتى تتحققَ المصلحة.

حاولي إفهامه أن المعنى الصحيح للإسلام هو اللاستسلام لله تعالى والانقياد لشرعه، وأن ذلك شرطٌ في صحة الإيمان؛ قال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [الأحزاب: 36]، فهذه هي الكليةُ الأساسية في منهج الإسلام، وأكبر قضاياه.

وأن الله تعالى ما شرع شيئًا إلا لحكمةٍ ومصلحةٍ ورحمةٍ، والواجبُ على المسلم اتباع شرع الله برضًا وطواعيةٍ ورغبة فيما عند الله، وخوفًا مِن عقابه، فالإسلام يُصحح عادات المسلم السيئة، ويَنْقُلها للأحسن، والمسلم ليس له الاختيار فيما فرَضه الله عليه.

لا تستسلمي للواقع، وكوني قوية واستمدي العون من الله تعالى، والاستعانة بالله والاستعاذة به، والصبر وعدم الاستعجال؛ كما أوصى الله نبيه الكريم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35].

وأكثري مِن قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلفظُ الحول يتناول كلَّ تَحوُّل مِن حالٍ إلى حال، والقوة هي القدرة على ذلك التحول؛ فـ"ليس للعالَم العُلوي والسفلي حركة وتحوُّل من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية"، وقال أيضا كمافي مجموع الفتاوى (10/ 137): "وليكن هِجِّيراه: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها بها تُحمل الأثقال، وتُكابَد الأهوال، ويُنال رفيع الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإنَّ العبد يستجاب له ما لم يعجلْ، فيقول: قد دعوتُ ودعوتُ، فلم يستجبْ لي، وليعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرَج مع الكرب، وأنَّ مع العُسر يسرًا، ولم ينلْ أحدٌ شيئًا مِن ختم الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر".

كما أن احتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، مما يقوي العزم، فالله عز وجل لن يضيِّع أجرَ المحسنين في الدنيا وفي الآخرة.

هذا؛ وسأُلَخِّص لك بعض النقاط لعلها تنفعك:

أولًا: تعلمين أنَّ أكثر خَلْق الله مَجبولٌ على حبِّ مَن أحسن إليهم، فأشعري زوجك بخوفك عليه، ورغبتك الصادقة في نجاته، واجعليه يلمس منك حُسن الأسلوب، ويستشعر الرفق والرحمة والحرص على الخير، فلا شك أنَّ كل هذا يجعل استجابته أسرع.

ثانيًا: حاولي استثمار المواقف والأحداث التي تكون مظنةً لرقة القلب ولاستجابة النصح، فذكريه وتعاوني معه على أن يتصوَّر أو يستشعر الوقوف بين يدي الله سبحانه، وأحوال القبر، والدار الآخرة، والمواقع الإسلامية مليئةٌ بكثير من المواد المقروءة والمسموعة، وإن استطعتِ أن تكونَ موعظتك غير مباشرةً فافعلي.

ثالثًا: المواظَبة على العمل الصالح والنصح مطلوبة، ولكن مع الحذر مِن الإكثار عليه؛ حتى لا تلحقه السآمة أو الملل، وتلك سنةُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مِن بعده، فكان لا يكثر مِن المواعظ حتى لا يسأموا؛ ففي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود، قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَتخوَّلنا بالموعظة في الأيام، مخافةَ السآمة علينا".

رابعًا: اجتهدي في الدعاء له بالهداية والصلاح، مع صِدْق اللجوء إلى الله جل جلاله أنْ يشرحَ صدره؛ فالقلوبُ بين إصبعينِ مِن أصابع الرحمن، يُقلِّبُها كيف يشاء، واسأليه سبحانه أن يُلهِمَكِ حُسن التصرف.

خامسا: كوني قدوةً صالحة له بموافقة الفعل للقول، وقوي العلاقة بينك وبين الله حتى تصلحَ جميع أمورك، وتحلي دائمًا بالهدوء، وضبط النفس، والحكمة في التعامل، واحذري العصبية والإحراج، وجرح المشاعر، والأساليب الاستفزاز، فلِحُسْن العِشْرة، وطيب الكلام، وجميل الأفعال أكبرُ الأثر، ولا يمنع هذا مِن إظهار الغضب والامتعاض أحيانًا لِمُخالَفة أوامر الله لما فَعَلَهُ،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام