حكم حلق اللحية بسبب التضيق الأمني

منذ 2019-06-13
السؤال:

انا شاب ملتحى و ابى يكره شكلى باللحية و يريدنى ان احلقا لذلك و لان بلدى يخطف و يعتقل الملتحين و خصوصا الشباب و هو يجبرنى و يغضب على لاحلقها ما حكم حلقها حينها و ماذا افعل حتى ارضى ابى

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد دلت السنة المشرفة على أن إعفاء اللحية من الأوامر الشرعية الأكيدة، التي يجب على المسلم امتثالها، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والأمر يقتضي الوجوب في قول جمهور الأصوليين والفقهاء؛ وقد اجتمع في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وهو هدي النبيين جميعاً، وكذلك فعل الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، لا يعرف منهم مخالف؛ ولذلك حكى أبو محمد بن حزم الإجماع على حرمة حلقها فقال في كتابه "مراتب الإجماع" (ص: 157): "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز".اهـ، وأقرّه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض مراتب الإجماع؛ فلم يتعقبه.

وإذا تقرر هذا؛ فلا يجوز حلق اللحية من أجل طاعة الوالد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف".

ولكن إن كنت تعيش مع والدك، وتحتاج له في النفقة، وتخشى إن حالفت أمره أن يقطع عنك النفقة، أو يخرج من المنزل أو نحوهما- فيجوز حينئذ أن تحلق لحيتك بقدر ما تدفع به الضرورة، حتى تستقل عن الوالد؛ لأن أوامر الشريعة مبنية على رفع الحرج ودفع الضرر؛ قال تعالى: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28]، وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن: 16]، وقال تعالى : {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة : 173]،  وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"؛ متفق عليه.

وكذلك لا حرج من حلق اللحية إن كنت تعيش في بلاد يعادى فيها المسلم من أجل لحيته، وقد نصّ على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 471): "فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء؛ لم يشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا شرع ذلك، ومثل ذلك اليوم لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب، لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه في ذلك من الضرر؛ بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم؛ لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة.

فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه، وجعل على الكافرين بها الصغار والجزية؛ ففيها شرعت المخالفة". اهـ.

وعليه؛ فإن كان إعفاء اللحية يسبب للمرء ضرراً مجحفًا محققًا، كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب، ولم يستطع دفع ذلك الضرر إلا بالتخفيف من لحيته أو حلقها - فيجوز له حلق اللحية،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام