هل يجوز فعل الحرام ان كان في فعله منفعة عامة
هل يجوز فعل امر حرام او ممنوع ان كانت منفعته العامة للناس و للمسلمين أكبر بكثير من اثمه؟ علما بأن فعله ليس اضطراريا و لكنه يحقق مصلحة عامة للمسلمين لا استطيع ان اضرب مثالا محددا لان هذا أمر عام يفعله جميع الناس بعلم او بدون علم و حجتهم ان المنفعة أكبر من الإثم و انهم ان لم يفعلوه فسيفعله غيرهم.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليله، وعند التعارض تُحصل أعظم المصلحتين، وتفوت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناها، مثل من يعين الظالم على ظلمه ليخفف الظلم عن المظلومين، فهذه مصلحة راجحة وهو حينئذ وكيل المظلوم، وليس وكيلًا للظالم، وقد حرر تلك المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه.
كما في "المنتخب من كتب شيخ الإسلام" (ص: 202-203):
"فصل جامع في تعارض الحسنات والسَّيِّئات، إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما؛ فنقول:
قد أمر الله ورسوله بأفعال واجبة ومستحبة؛ وإن كان الواجب مستحباً وزيادة، ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة، والدين هو طاعته وطاعة رسوله، وهو الدين والتقوى والبر والعمل الصالح والشرعة والمنهاج؛ وإن كان بين هذه الأسماء فروق، وكذلك حَمَدَ أفعالاً هي الحسنات ووعد عليها، وذم أفعالاً هي السيئات وأوعد عليها ...
وقال في المتعارض: {يَسْألونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فيهما إثْمٌ كبيرٌ وَمَنافِعُ للنَّاسِ وإثْمُهُما أكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما}، وقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تَكْرَهوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ}...
فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح، وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما، فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما، وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة، وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.
إلى أن قال: والثالث -يقصد التعارض بين حسنة وسيئة- كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب، كما فعلت أم كلثوم التي أنزل الله فيها آية الامتحان: {يا أيُّها الذينَ آمَنوا إذا جاءَكُمْ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ} ، وكتقديم قتل النفس على الكفر؛ كما قال تعالى: {والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ} ؛ فتقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الأيمان؛ لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس، وكتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب، وكذلك سائر العقوبات المأمور بها، فإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر؛ لدفع ما هو أعظم ضرراً منها، وهي جرائمها؛ إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير.
وكذلك في ((باب الجهاد)): وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراماً؛ فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم مثل الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك؛ كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق، وفي أهل الدار من المشركين يبيتون، وهو دفع لفساد الفتنة أيضاً بقتل من لا يجوز قصد قتله.
وكذلك ((مسألة التترس)) التي ذكرها الفقهاء؛ فإن الجهاد هو دفع فتنة الكفر، فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها، ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك؛ وإن لم يخف الضرر، لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم؛ ففيه قولان" . اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: