نواقض الوضوء

منذ 2019-08-02
السؤال:

ماهي نواقض الوضوء

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقد اتَّفق العلماءُ على انتقاض الوضوء بِما يخرج من السبيلين - القُبُل والدُّبُر -: من غائط وبَوْلٍ ورِيحٍ، ومَذْيٍ ووَدْيٍ، ودَمِ حيْضٍ ونِفاس واستحاضة؛ لظاهر الأدلَّة من الكتاب والسنة إذا كان خروجها على وجه الصحة، وكذلك أجْمعوا على انتقاضه بالجماع.

والأصل في هذا قولُه تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وقولُه - صلى الله عليه وسلم –: "لا تُقْبَل صلاةُ مَن أحْدَثَ حتَّى يتوضَّأ"؛ مُتَّفقٌ عليْهِ من حديث أبِي هُريرة، وفيه: فقال رجل من حضرموت: ما الحدَثُ يا أبا هُريرة؟ قال: "فساءٌ أو ضراط".

وفي الصحيحَيْنِ عن عليِّ بْنِ أبِي طالب قال: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فأمَرْتُ المِقْداد أن يَسأَلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال: "فيه الوُضوء".

كما اتَّفقوا على انْتِقاضه بِزَوال العقل بِجُنونٍ أوْ إِغماء أو تَخدير أو سُكْرٍ؛سواءٌ كان بخمر، أوْ بِمُخدِّرات، أو أيِّ مُسْكِرٍ.

واختلفوا في انتِقاض الوضوء بخروج نجس من غَير السبيلين كالدمالقَيْء والقِيح والصَّدِيد، وبالنَّوم، ولمس المرأة، ومسِّ فَرْجِ الآدمي، والقَهقهة في الصلاة، وأكْلِ لَحم الجَزُور، وغُسل الميِّت، والرِّدة، والشكِّ في الحدث،

1-القَيْء والقِيح والصَّدِيد، وخروج الدم من غير السبيلين؛ كالرِّعاف والفصد والحجامة فذهَب أبو حنيفة وأصحابُه، والثوريُّ وأحمد إلى أنَّ كُلَّ نجاسة تَخْرُج من الجسد تنقُض الوضوء.

 واستدلوا بِحديث أبِي الدَّرداء "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضَّأ"؛ رواه أحمدُ والتِّرمذي، وصحَّحه الألبانِي، ولا يَخفَى عدمُ صلاحيته للاحتجاج؛ لأنَّ مُجرَّد فعله - صلى الله عليه وسلم - لا يدلُّ على الوجوب إلا أن يكون بيانًا لأمْرٍ مُجمل.

واحتجُّوا ثانيةً بِما رواه الإمامُ أحمد والترمذي عن عائشةَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن أصابَهُ قَيْء أو رعافٌ أو قَلْسٌ أو مَذْيٌ فَلْيَتَوَضَّأْ". ولا حُجَّة فيه أيْضًا؛ فَقَدْ أُعِلَّ بأنَّه من روايةِ إِسْماعيلَ بْنِ عيَّاش، عنِ ابْنِ جُرَيْج - وهو حجازي - ورواية إسماعيلَ عنِ الحِجازيِّينَ ضعيفةٌ، وأيضًا قد خالفه الحفَّاظ من أصحاب ابن جُريج فَروَوْهُ مُرسلاً.

قال الإمام أحمدُ: الصواب عنِ ابْنِ جريج عنْ أبيه عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وضعَّفه ابْنُ معين.

وذهب الشافعي إلى أن كُل ما خرج من هذيْنِ السبيلين، فهو ناقض للوضوء، من أيِّ شيء خرج من دم، أو حصًا أو بلغم، وعلى أي وجه خرج، كان خروجه على سبيل الصحة، أو على سبيل المرض،وهو قوْلُ مُحمَّد بن الحكم من أصحاب مالك.

وذهب مالك وجلُّ أصحابِه وابْنُ حَزم إلى عدم انتِقاض الوُضوء بِما سبق وبِكُلِّ ما خَرَجَ مِنَ السَّبيليْنِ من غَيْرِ المُعتاد؛ كالحصاة والشَّعرِ وغيرِها إلا أن تكونَ مُبَلَّلةً بِالنَّجاسة، وهذا القول هو الرَّاجح؛لأن الأصل صحة الطهارة, فلا يحكم ببطلانها إلا بدليل صحيح، والقاعدة أن من توضأ وضوء صحيحا فقد تمت طهارته بيقين ولا ينتقل عن هذا اليقين إلا بدليل صحيح صريح، وأيضا صحَّ  عن أبي هريرة أنه قال: "لا وُضوء إلا من حَدَثٍ"؛ رواه البُخاريُّ مُعلَّقًا - ووصله إسماعيلُ القاضي بإسناد صحَّحَهُ الحافظ – وروي مرفوعا ((لا وُضوءَ إلا مِن صوتٍ أو ريح)).

وروى أحمد وأبو داود، وعلَّقه البخاري: "أنَّ رجُلاً منَ الأنْصارِ قامَ يُصَلِّي في الليْل فَرَمَاهُ المُشْرِك بِسَهْمٍ فوضعه فيه فنزعه، حتَّى رماه بِثلاثةِ أسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وسَجَدَ ومَضَى في صلاتِه وهُو يَموج دمًا"، ويبعُد عادةً أن لا يطَّلِعَ النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على مِثْلِ ذلك فيكون له حكم الرفع.

2- أَكْلُ لَحمِ الإبِل سواءٌ كان قليلاً أوْ كثيرًا مَطهيًّا أو نَيْئًا والراجح أنَّه ناقضٌ لِلوُضوء؛ قال النووي: "وذهب إلى انتقاض الوضوء به: أحمدُ بنُ حنبلٍ وإسحاقُ بنُ راهويه ويَحْيَى بْنُ يَحيى وأبو بكر ابْنُ المنذر وابنُ خزيْمة، واختاره الحافظ أبو بكر البَيْهَقي، وحُكي عن أصحاب الحديث مُطْلَقًا، وحُكِيَ عن جماعةٍ منَ الصَّحابة، واحتجَّ هؤلاءِ بِحديث جابر بْنِ سَمُرة الَّذي رواه مسلم، وقال أحمد بن حنبل وإسحاقُ بن راهويه: صحَّ عنِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا حديثانِ: حديث جابر وحديث البراء، وهذا المَذْهَبُ أَقْوَى دليلاً وإن كان الجمهور على خلافه.

وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديثِ جابِرٍ: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مِمَّا مسَّتِ النَّار", ولكن هذا الحديثَ عامٌّ وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاصٌّ، والخاص مقدَّم على العام". اهـ. "شرح مسلم".

- مَسُّ الفَرْجِ بدون حائل، فذهب البَعْضُ إلى أنَّهُ نَاقِضٌ لِلوُضُوءِ مُطْلقًا، وهُمُ الجُمهورُ منَ المالكيَّة - في المشهور - والشافعيَّةُ والحنابلة - في الصحيح من المذهب - وإسحاقُ، وابْنُ حزم، وأكثرُ أهْلِ العِلْمِ، واحتجُّوا بِحديث بُسْرَةَ بنت صفوان: "مَن مَسَّ ذَكَرَهُ فليَتَوَضَّأ".

ورَجَّحَ البَعْضُ عَدَم النَّقضِ مُطْلَقًا وهو قول الحنفيَّة، ورَبِيعةَ، والثَّوْرِيِّ، وابنِ المُنْذِر، والرواية الثانية عن أحمد؛ واحتَجُّوا بِحَدِيث طَلْق بن عليِّ - رضي الله عنه - قال: "قال رَجُلٌ: مَسِستُ ذَكَرِي، أو قال: الرَّجُل يَمَسُّ ذَكَرَهُ في الصَّلاةِ - أَعَلَيْه الوضوء؟ فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لا، إنَّما هو بضعةٌ منك"؛ أخرجه الخمسةُ، وإسنَادُهُ صحيح.

وذَهَبَ آخرونَ إلى الجَمْعِ؛ وأنَّ مَسَّ الفَرْج يُستَحَبُّ له الوضوء، وهو رواية عند المالكية، ورواية عن أحمد، كما في "الإنصاف" للمرداوي، اختارَهَا شيْخُ الإسلام في الفتاوى، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يَنْقُضُ لغير شهوة.

والقول بالجَمْعِ هو الرَّاجح عندنا – والعلم عند الله – لأنَّ الحديثين صحيحانِ؛ فلا وجه لتَرْجِيح أحدِهِما على الآخر، والجَمع مُقَدَّم على التَّرجِيح ما أمكن؛ فالأمر بِالوُضُوءِ في حديث بُسْرَةَ مَصْروفٌ منَ الوُجوب إلى الاستحباب؛ بدليل حديث طَلْق.

أمَّا القول بِتَرْجِيحِ أَحَدِ الحديثَيْنِ على الآخَر فلا يُلْجَأُ إلَيْهِ إلاَّ بعد تَعَذُّرِ الجَمعِ، أَمَّا مَعَ إِمكان الجَمْعِ؛ فلا نَرجِع إلَى التَّرجِيحِ، والقاعِدَةُ الأصوليَّة "أنَّ الإِعمالَ أوْلَى منَ الإهْمال".

4- لمس الرجل لِبَشرة المرأة:

ذهب جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ لَمس بشرَتَيِ الرّجل والمرأة حدثٌ يَنْقُضُ الوضوءَ في الجملة.

واشتَرَطَ المالكيّة أن يَكونَ المَسُّ مَصحوبًا بِلَذَّة، ولو لِظُفْر أو شعرٍ أو سنّ، ولو بِحائل خفيفٍ إنْ قَصَدَ اللَّذَّة أو وَجَدَها بِدُونِ القَصْدِ، وقالوا: إنَّ القُبْلَة ناقِضةٌ على كل حال ولا تُشتَرَطُ فيها اللّذّة.

وذَهَبَ الشّافعيّة إلى أنَّ اللَّمْسَ ناقضٌ إن كان من بالغَيْنِ حدًّا يُشتَهَى، ولو لم يكونا بالغَيْنِ، ومس البشرة بدون حائل ولو رقيقًا، واستَثْنَوُا المحرم في الأظهر، والصغيرة والشعر والسنّ والظفر في الأصحّ، ولَم يَشتَرِطُوا الشَّهوة.

وقال الحنابلة: يَنْتَقِضُ وُضوءُ اللاَّمس لِشَهْوَةٍ من غَيْرِ حائل غير طفلة وطفلٍ، ولو كان الملموس ميّتًا أو عجوزًا أو مَحرَمًا أو صغيرةً تُشْتَهَى، ولا ينقض وضوء الملموس بدنه ولو وُجِدَ منه شهوة، واستثْنَوُا الشَّعر والظفر والسِّنّ.

واستدلَّ الجُمهور على اعتبارِهمُ اللّمسَ من الأحداث بقولِه تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] أي لَمَسْتُم، فعطف اللّمسَ على المجيء من الغائط ورتّب عليهما الأمر بالتّيمّم عند فقد الماء، فدلّ على أنَّه حدثٌ كالمجيء من الغائط.

قالوا: والأصلُ أنَّ اللمس هو التقاء البشرتين؛ قال تعالى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وقال - صلى الله عليه وسلم -:"لعلّك لَمَسْتَ".

وذهب الحنفية وغيرهم إلى عدم اعتبار مسّ المرأة من الأحداث مطلقًا، سواءٌ كان مسُّه إيَّاها بِشَهْوة أو بدونِها، إلا أن يُباشِرَ مُباشَرَةً شديدةً فيُمْزِي، وأجابُوا عن الاستدلال بالآية: أنَّ المُراد باللَّمْسِ الجِماع؛ كما قال ابن عباس.

 

وعنْ عائشةَ أنّه - صلَّى اللَّه عليْهِ وسلَّم - قبَّل بَعْضَ نِسائِه ثُمّ خرج إلى الصّلاة ولَم يتوضَّأْ.

وأيضًا انْتِقاضُ الوُضوء باللَّمس مِمَّا تعُمُّ به البَلْوَى فيحتاجُ إلى بيانٍ عامٍّ وظاهرٍ كما هو مقرَّر، فلو كان ناقضًا لبيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.

والأصْلُ صِحَّة الطَّهارة وسلامَتُها، فلا يَجوزُ إبطالُها إلا بدليلٍ صحيح.

5- تغسيل الميت؛ لقول أبي هريرة مرفوعًا: "مَنْ غسَّل ميتًا فليغتسلْ ومَن حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأ"؛ رواهُ أحمد وأبو داود، والتِّرمذيُّ وحسَّنه، وصحَّحه الألباني، وكان ابْنُ عُمر وابن عباس يَأْمُرَانِ غاسِلَ الميت بالوضوء.

والرَّاجحُ عدم انتِقاضِ الوُضوء مِنْ تَغْسِيل الميت؛ لأنَّ حديثَ أبِي هُريرةَ مصروفٌ بِحديثِ ابْنِ عبَّاس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس عليكم في غُسْلِ ميِّتكم غُسْلٌ إذا غَسَّلْتُمُوه، فإنَّ ميَّتكم ليس بنجس، فحسْبُكم أن تَغْسِلُوا أيديَكُم"؛ أخْرَجَهُ الحاكم والبيهقِيُّ، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وحسَّنه الحافظ في "التلخيص" والألباني.

6- الرِّدَّة عن الإسلام، ذهب المالكيَّة في المعتَمَدِ عِنْدَهُم، والحنابلة في الصحيح من المذهب، والشافعيَّة في وجه: أنَّ الرّدَّة عنِ الإسلام تنقُضُ الوضوء؛ لقول الله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الجاثية: 65] قالوا: لأنَّ الوُضُوءَ عملٌ فيحبط بنصِّ الآية.

وذَهَبَ الحنفيَّة، والشافعيَّة في الأصحِّ، وبعضُ المالكيَّة، ورِواية عِنْدَ الحنابِلة: إلى أنَّ الرِّدَّة بذاتِها ليستْ من نَوَاقِضِ الوُضوء، وإنَّما تكونُ مُحبِطة لِلعمل في حال اتِّصالِها بِالموت؛ وهو الراجح.

7- النوم، ذهب جمهورُ الفُقهاءِ مِن الأئمَّة الأربعة وغيرهم أنَّ النَّوم نفسَهُ ليس بناقضٍ وإنَّما هو مظنة الحدث، إلا أنَّه النَّوم ناقضٌ للوضوء في الجملة، واستدلُّوا بحديث: "العَيْنُ وِكاء السَّه فَمَنْ نام فَلْيَتَوَضَّأْ"؛ رواه أبو داود عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، وحسَّنه النَّوويُّ والمُنْذِريُّ وابْنُ الصَّلاح، وعن صفوان بن عسَّال - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُنا إذا كنَّا سَفرًا أن لا نَنْزِعَ خِفافَنَا ثلاثَةَ أيَّام ولياليَهن إلا من جنابة، ولكنْ مِن غائطٍ وبَوْلٍ ونَوْمٍ".

وحديث: "إنَّ العَيْنَيْنِ وِكاءُ السَّه، فإذا نامتِ العَينانِ استَطْلَقَ الوِكاء"؛ رواهُ الدَّارمي.

والرَّاجح أنَّ النَّوم اليسيرَ - بحيثُ لو أحدث لَشَعَرَ أو مع تَمكين المقعدة من الأرض - لا ينقُضُ الوضوءَ، بِخلافِ النَّوم الثَّقيل أو نَوْمٍ بغَيْرِ تَمْكينٍ لِلمقعدة؛ جمعًا بين الأدلَّة لقول أنس: "كان أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - ينامون ثُمَّ يُصَلُّون ولا يَتَوَضَّؤُون"؛ رواه مسلم.

وهُوَ مَذْهَبُ الحنابِلة أنَّ نومَ القاعِدِ إنْ كان كثيرًا نَقَضَ، وإنْ كان يَسيرًا لَم ينْقُض، ونوم المضطجِع يَنْقُضُ الوُضوءَ يسيرُه وكثيرُه، وهو مذهب المالكية إلا أنَّ المعتبر عندهم صفةُ النَّوم ولا عبرةَ بِهَيئةِ النَّائم منِ اضطجاعٍ أوْ قِيامٍ أوْ غَيْرِهِما.

 8- القهقهة في الصلاة، ذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ - المالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة والظاهريَّة - إلى أنَّ القهْقَهَة في الصلاة لا تَنْقُض الوُضوء، وهو الرَّاجح.

وذهب الحنفيَّة - وهو ما رُوي عن الحسنِ والنخعي والثّوريّ - إلى أنَّ القهقهة في الصَّلاة تَنْقُضُ الوُضوءَ، وتُفْسِدُ الصَّلاة.

9- أَكْلُ ما مَسَّتْهُ النَّار، ذهَبَ جُمهورُ العُلماء - ومِنْهُمُ الأئمَّة الأرْبعةُ - إلى أنَّه لا يَجِبُ الوضوءُ بأكْلِ شَيْءٍ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّار، وهو مَحْكِيٌّ عنْ أبِي بكرٍ الصِّدِّيق وعُمَرَ وعُثْمَانَ وعَلِيٍّ وابْنِ مَسعودٍ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وأَبِي طَلْحَةَ وأَبِي الدَّرْدَاءِ وابْنِ عبَّاس وعامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وأَبِي أُمامةَ -رضِي اللَّهُ عنهم.

واحتجُّوا بِحديثِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: "أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - أَكَلَ كتِفَ شاةٍ ثُمَّ صلَّى وَلَم يتوضَّأْ"؛ متَّفق عليه.

وبِما رَوَى جابِرٌ - رضِي الله عنه – قال: "كان آخر الأمْرَيْنِ مِن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَرْك الوُضوء مِمَّا غيَّرتِ النَّار"؛ رواه أبو داود.

وذهبَ عُمَرُ بْنُ عبدِالعزيز والحسنُ والزُّهريُّ وأبو قِلابة وأبو مِجلز، وحكاهُ ابْنُ المُنْذِر عن ابن عُمر وأبِي طَلْحَةَ وأبِي مُوسى وزيْدِ بن ثابتٍ وأبِي هُريرةَ وعائشة - رضي الله عنهم - إلى وُجُوبِ الوُضُوءِ، واحتَجُّوا بِما رواهُ زَيْدُ بن ثابتٍ وأبُو هُريْرَةَ وعائشةُ - رضي الله عنهم - عنِ النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: "توضَّئوا مِمَّا مسَّتِ النار"؛ رواه مسلم.

وأجابَ الجُمهورُ عنه بأنَّه حديثٌ منسوخ.

10- الشك في الحدث، ذَهَبَ المالكيَّة إلى أنَّه من نَواقِضِ الوُضوء، واحتجُّوا بأنَّ الذِّمَّة لا تَبْرَأُ مِمَّا طُلِبَ مِنْهَا إلا بيقين.

وذَهَبَ جُمهور الفُقهاء - وهو الراجح - إلى أنَّ الشَّكَّ لَيْسَ ناقِضًا للوضوء، فمَنْ أيْقَنَ أنَّه كان متوضِّئًا وشكَّ في الحدثِ، أو مَنْ أيْقَنَ الحَدَثَ وشكَّ في طُرُوءِ الوُضوء عمِل باليقينِ في الحالَتَيْنِ؛ لحديثِ أبِى هُريْرَة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وَجَدَ أحدُكمْ في بَطْنِه شيئًا فأشكَلَ عليْهِ أَخَرَجَ منه شيء أم لا فلا يَخْرُجَنَّ منَ المَسْجِد حتَّى يَسمعَ صوتًا أو يَجِدَ ريحًا"؛ متفق عليه.

إذا تقرر هذا فنواقض الوضوء محصورة في كل ما خرج من السبيلين، وأكل لحكم الأبل والنوم الثقيل،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام