ما معنى التجلي في قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا
السلام عليكم فجادلني احد النصاري في تفسير ايه "فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا "انا قلت التجلي يعني ظهور خنصر الله وهناك فرق بين التجلي والظهور التجلي يعني ظهور جزء من الشيء ام الظهور يعني ظهور بكامل الذات فاعترض هو علي التفرقه بين التجلي والظهور فقلت انا حسنا اذا رأتها الظهور يعني ظهور نور الخنصر فهل هذا تفسير صحيح وهل يوجد به خطاء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن تجلي الله عز وجل في قصة موسى عليه السلام هو رفع الحجاب، والقرآن مع الحديث والعقل الصريح يدل على إثبات الحجاب لله تعالى؛ كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51]، وفي الصحيح عن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل"، والآثار في ذلك كثيرة.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف 143] فأخبر سبحانه أنه تجلى للجبل وأنه لما تجلى له جعله دكًّا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" (8/ 132):
"دلّ القرآن مع ما ورد به الحديث في تفسير هذه الآية أن التجلي هو ظهوره، وأنه مع ذلك قد لا يطيق المتجلي له رؤيته لعجزه، وأن التجلي ليس هو خلق الرؤية فيه، عُلم أنه قد يتجلى لمن يراه ولمن لا يراه، وأن التجلي ليس هو خلق الرؤية فيه عند الاحتجاب؛ فعلم أن هناك حجاباً خارجاً عن الإنسان، وأن التجلي يكون برفع كل الحجاب"
وقال في "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"(3/ 319):
"... يقتضي أن يكون الحجاب حجابًا يحجب البشر كما حجب موسى، فيقتضي ذلك أنهم لا يرونه في الدنيا وإن كلمهم، كما أنه كلم موسى ولم يره موسى، بل سأل الرؤية فقال: وهذا معروف عندهم، وإذا كان كذلك فلا بد أن يكون الحجاب الحاجب للبشر ليس هو من البشر، وهذا يبطل قول النصارى فإنهم يقولون: إن الرب احتجب بحجاب بشري، وهو الجسد الذي ولدته مريم، فاتخذه حجابا وكلم الناس من ورائه، والقرآن يدل على أن الحجاب ليس من البشر".
وقال الأمام الطبري في "تفسيره" (13/ 97):
"يقول تعالى ذكره: فلما اطّلع الرب للجبل، جعل الله الجبل دكًّا، أي: مستويًا بالأرض، وخر موسى صعقًا، أي: مغشيًا عليه".
ثم روى بإسناده عن ابن عباس في قول الله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}، قال: "ما تجلى منه إلا قدر الخنصر، جعله دكًّا، قال: ترابًا، {وخر موسى صعقًا}، قال: مغشيًّا عليه".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/ 409-410):
"قال أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة: حدثنا حفص بن عمرو حدثنا عمرو بن عثمان الكلابي حدثنا موسى بن أعين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إذا أراد الله أن يخوف عباده أبدى عن بعضه للأرض، فعند ذلك تزلزلت، وإذا أراد الله أن يدمدم على قوم تجلى لها عز وجل"، وقد جاء في الأحاديث المرفوعة في تجليه سبحانه للجبل ما رواه الترمذي في جامعه، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن يعني الدارمي أنبأنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا}[الأعراف: 143]، قال حماد هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة أصبعه اليمنى قال فساخ الجبل وخر موسى صعقا"، قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة.
وقال أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة حدثنا حسين بن الأسود، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، حدثنا أسباط عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس:
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143] قال ما تجلى منه إلا مثل الخنصر، قال فجعله دكًا، قال ترابا وخر موسى صعقًا، غشي عليه، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك عن أن أسألك الرؤية وأنا أول المؤمنين، قال: أول من آمن بك من بني إسرائيل"، ورواه الطبراني قال حدثنا محمد بن إدريس بن عاصم الحمال، حدثنا إسحاق بن راهويه، حدثنا عمرو بن محمد العنقري فذكره عن ابن عباس: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143]، قال ما تجلى منه إلا مثل الخنصر فجعله دكًا قال ترابًا، ورواه البيهقي في كتاب إثبات الرؤية له". اهـ.
إذا عرف هذا ظهر لك المعنى الصحيح من تجلي الرب تبارك وتعالى وهو رفع الحجاب عن مثل الخنصر، وهو قول أهل السنة قاطبة، وليس المعنى ظهور خنصر الرب كما ذكرت،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: