حكم زيارة الرحم العصاه
السلام عليكم. هل يجوز عدم زيارت بنات العم اذ كانو متبرجات او عصاه
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فصلة صلة الرحم واجبة وإن كانت لكافر، فله دينه وللواصل دينه؛ كما قرره الإمام ابن القيم وقال في كتابه "أحكام أهل الذمة" (2/ 793):
"... وقد جعل الله للقرابة حقا - وإن كانت كافرة - فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] "
فالتبرج أو التلبس بالكبيرة لا يسقط الصلة، ولكن هل تدخل بنات العم في الرحم الذي يجب صلته، فالراجح من أقوال أهل العلم أن صلتها مستحبة فقط وليست واجبة، وأن الرحم التي يجب صلتها هي ما يحرم النكاح بينهما، بحيث لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر، فلا يدخل أولاد الأعمام والعمات وأولاد الأخوال والخالات، وهو قول للحنفية، وغير المشهور عند المالكية، ورواية عند الحنابلة؛ واستدلوا بالحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا"، وبين الحكمة من النهي في رواية عند الطبراني من حديث ابن عباس : "فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد قطعتم أرحامكم"؛ وصححه ابن حبان، وفي المراسيل لأبي داود (ص: 182) عن عيسى بن طلحة، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة".
والشاهد من الحديث، أن النبي نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها مخافة القطيعة، والشارع الحكيم أباح الجمع بين بنتي العم وبنتي الخال، والغالب أنهما يتغايرن ويتقاطعن، فدل على أن صلة الرحم بينهما ليست كصلة العمة والخالة.
ومما يؤيد هذا القول وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك ثم أدناك أدناك".
وروى أحمد وأصحاب السنن عن معاوية القشيري قال: قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قلت: ثم من؟ قال: أمك، قلت: ثم من؟ قال: أمك، قلت: ثم من؟ قال: أباك ثم الأقرب فالأقرب".
وروى أبو داود عن كليب بن منفعة عن جده أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك، حق واجب ورحم موصولة".
قال القاضي عياض: "صِلَةُ الرَّحِمِ درجاتٌ، بعضُها أرفع من بعض، وأدْناها ترْك المُهاجَرة، وصلتها بالكلام ولو بالسَّلام، ويختلف ذلك باختِلاف القُدرة والحاجة، فمِنْها واجبٌ ومنها مستحبٌّ، فلو وصل بعضَ الصِّلة ولم يصِل غايتَها، لم يُسَمَّ قاطعًا، ولو قصَّر عما يقدِر عليه وينبغي له، لم يسمَّ واصلاً".
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: