هل الثقة بالنفس حرام ؟!

منذ 2019-09-28
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا أود أن أسأل هذا السؤال المهم جداً لما فيه من الفائدة الكبيرة أود أن أسأل السؤال هذه ( هل ثقتنا بأنفسنا حرام أم جائز ) وأن كان حراما لما جميع الناس يسعون اليه ومالهدف منه ومالغرض منه ولما تحاول الوصول إليه وهل الثقة بالله تنبع من الثقة بالنفس وهل يتساويان أم إذا كان جائز كيف أصل الى الحد المعقول من الثقة بالنفس وكيف اثق بربي وكيف أنمي ثقتي بالله ثم بنفسي ان كان مباح او جائز وهل الثقة بالنفس يصل لحد الغرور والتكبر وهل ابين مذلتي وكسراني لله طول حياتي أم اتحلى بنوع من الثقة بالنفس سمعت أن الثقة بالنفس نوعان محمود ومذموم فما هو المحمود وماهو المذموم وكيف أتحلى بالمحمود وكيف اجتنب المذموم أصبح الثقة بالنفس موضة العصر فبه تطورت التنكلوجيا واصلحت الوطن واصبح الواقع شيئا جميلاً به صار الناس يثقون ببعضهم البعض وأسلوب الذوق العام والحوار مع الآخرين بلطف فهل هذه سمات الثقة بالنفس وماهي سماتها وكيف أصل للحد المنشود من الثقة بالنفس والثقة بالله أولاً

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالثقة بالنفس ليست حرامًا، ولا تنافي التوكل على الله؛ بل هي دافعة للأخذ بالأسباب والتوكل على الله، وهذا من الأمور البدهية، لأن عدم الثقة من العجز الذي يوقع صاحبه في الأوهام والوساوس لا يستطيع دفع الإرادات والعزائم الفاسدة، ويجد نفسه عاجزًا أو كالعاجز؛ وقد مدح الشارع الحكيم المؤمن قوي النفس عالي الهمة ففي الصحيح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"، والعجز أخية عدم الثقة بالنفس، فظهر أن عدم الثقة بالنفس عرَض من أعراض ضعف الإيمان،    

ومن ظن أن الثقة بالنفس حرام فقد اختلط عليه الفارق بين المذمومة وهي المرادفة للكبر والغرور والشعور بالعظمة وتوهم الكمال، واستقلال العبد بنفسه عن الله تعالى، أو من يظن أن التواضع مقابل الثقة بالنفس، وهذا خطأ محض.

فالثقة بالنفس من مظاهر قوة الإيمان وهي مع التوكل على الله مطلوبة شرعًا، بخلاف الغرور فهو مذموم؛ لأنه شعور بالعظمة وتوهم الكمال، الثقة بالنفس، تقدير للإمكانيات المتوفرة، والغرور فقدان أو إساءة لهذا التقدير.

فالمسلم الحق يعتمد على ربه سبحانه ويتوكل عليه ويثق بنفسه ويقوي إيمانه ويحافظ على شخصيته، وهل يظن ظان أن علماء الأمة والمجاهدين الذين فتحوا البلدان، وغيرهم كانوا غير واثقين في أنفسهم واعتزازهم بها مع تواضعهم الجم وتوكلهم على الله!

 بل لولا الثقة بالنفس ما أمر أحد بالمعروف ولا نهى عن منكر، ولم يدع إلى الله أحد، فالعلماء الربانيون جمعوا بين الثقة بالنفس والافتقار إلى الله في نشر العلم والجهاد به؛ وهل يقدم من لم يثق بنفسه على دعوة غيره، أو يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم؟!

وهل يتصور ثبات الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن، وصبره على السوط، أتراه لم يكن من وراء ذلك نفسا قوية واثقة بنصر الله وبما حباها الله من طبائع القوة والثبات، ومع ذلك كان متواضعا لله تعالى، وتأمل قوله تعالى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، وقوله {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]، وما تحدثه في النفس من ثقة وقوة.

ولكن ليس معنى الثقة بالنفس تفويض أمره إلى نفسه ولو للحظة واحدة، فهذا معن فاسد للثقة بالنفس؛ وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب: "اللهم رحمتك أرجو، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله ألا أنت".

هذا؛ وسأذكر لك مثالاً يبين المعنى الصحيح للثقة بالنفس ورؤية ما بها من قدرات، مع اعتقاد أن الله تعالى فقد جاء في "سيرة عمر بن عبد العزيز" (ص: 59) أنه قال: "... فَإِن لي نفسًا تواقة لم تتق إِلَى منزلَة فنالتها إِلَّا تاقت إِلَى مَا هِيَ أرفع مِنْهَا، حَتَّى بلغت الْيَوْم الْمنزلَة الَّتِي لَيْسَ بعْدهَا منزلَة، وَإِنَّهَا الْيَوْم قد تاقت الى الْجنَّة".

أما مثال الثقة بالنفس الباطلة فمنهم قارون الذي آته الله من المال الشيء الكثير فارجع الفضل في هذا لنفسه؛ كما قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص: 76]... إلى قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78].

هذا والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام