هل ترك الدراسة من العقوق
لدي اخي كان في آخر عام من احدي الكليات الحكومية ممن يطلق عليها (كلية قمة) رسب في مادتين ودخل امتحان الدور الثاني لهما فنجح باحداهما والثانية لم ينجح بها وهذه الماده من السنه السابقة وامتحنها بذلك مرتين سابقا ، وذلك يعني انه يحتاج لسنه واحدة اضافية علي سنين الكلية الاساسية من أجل اجتياز امتحان هذه الماده للتخرج. لكنه يقول انه لن يكمل الكلية وسيتركها والسبب انه يشعر بأنه ظلم معلقا بالآتي : ( ذهبت قبل الامتجان مرتين لاسأل دكتور الماده هل امتحان الدور الثاني سيكون علي منهج الترم الاول فقط ام الترم التاني فقط ام الترمين) ولكنني لم اجد الدكتور فذهبت لاسأل شئون الطلبه فاخبروني ان الامتحان علي الترميم معا ،فقمت بمذاكرة الترم الاول فقط لانه اسهل وقلت في نفسي ان اساسا وقت الامتحان لن يسعني لحله كله كاملا حيث ان وقت الامتحان ٤ ساعات لكن صلاه الظهر تؤذن بعد ساعتين من الوقت فانا اترك الامتحان واسلم الورقة للذهاب للصلاه وانهي امتحاني بهذه الطريقة وهذه عادتي منذ سنتين بالكلية ففوجئت عند دخول الامتحان ان الامتحان علي الترم الثاني فقط فحاولت الحل لكن ما قمت بحله غير كافي للنجاح وذهبت بعد الامتحان للدكتور وأخبرته بما حدث اي ان شؤون الطلاب قالولي الامتحان علي الترمين معا ولكني ذاكرت ترم واحد علي قد وقت الامتحان وبذلك حدث خطأ منهم ليراعي ذلك فقالي الدكتور هنشوف وبعد ظهور النتيجه لم ينجحني ولم يراعي الخطا) ما سبق تعليق اخي ويقول ايه يضمني اني هنجح السنه دي،ودا خطأهم والدكتور المفروض يعديني عشان هما اللي قالولي الامتحان علي ترمين ولو الدكتور مش مصدقني يستلهم و انا كدا بضيع سنه وانا اصلا الوقت مش هيكفيني لاني بحل ساعتين بس عشان الصلاه. فهل هذا جائز؟ ان يترك الكلية وانه منذ سنتين يترك الامتحان لأداء الصلاه كنا منه انه قام بحل ما يكفي للنجاح ؟ ما سبق سبب لوالداي حزن شديد وهم في جدال معه لانه لا يريد إكمال كليته فقل يجوز له عصيانهم في ذلك واغضابهم مع العلم ان لدينا أخ أكبر منه ترك الكلية منذ ٣ سنوات بدون اي رسوب او مشاكل بالكلية ولا يريد أخبارنا بالسبب وهذا يسبب كرب شديد لوالدي وهو الآن يكرر هذا الحزن؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمما لا شك فيه أن طاعة الوالد من أوْجب الواجبات في الشريعة بعد الإيمان بالله؛ والسعي في رضاه أوْلَى وآكد، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36]، وَحَذَّرَ - سبحانه وتعالى - من عصيانهما، أو إيذائهما - ولو بأدنى الألفاظ - فقال – تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23].
قال القرطبي - رحمه الله - في "تفسيره" (2 / 13) -:
"وقرن الله - عز وجل - في هذه الآية - حق الوالدين بالتوحيد؛ لأن النشأة الأولى من عند الله، والنشء الثاني - وهو التربية - من جهة الوالدين، ولهذا؛ قَرَنَ - تعالى - الشكر لهما بشكره، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14].
والإحسان إلى الوالدين: معاشرتُهُمَا بالمعروف، والتواضع لهما، وامتثال أمرهما، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما، وصلة أهل ودهما".
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "رضا الله في رضا الوالدَيْن، وسَخَطُ الله في سَخَطِ الوالدَيْن"؛ روَاه التِّرْمِذِيُّ وصحَّحه.
والطاعة إنما تكون في المعْروف فقط، وفيما لا ضرر ولا مشقَّة فيه، ولا يخفى أن الأمر بإتمام الدراسة من المعروف، فتجب طاعة الوالد فيها، لا سيما إن كان الحال كمال ذكرت، ولم يبق لأخيك إلا مادة واحدة على التخرج، فلا يقول عاقل أنه يترك دراسته ويضيع على نفسه كل هذه السنوات، وعلى والده ما أنفقه طيلة هذه السنوات؛ وقد صح عن رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنه قال: "لا ضرَر ولا ضرار"؛ رواه مالك.
فإتمام الدراسة ليس حقًا خالصًا للابن يستبد به كيفما شاء، وإنما الوالدان شريكان فيه، بالنفقة والصبر والتحمل والتربية، فلولا هما ما تجاوز الابن كل هذه المراحل التي تسبق الجامعة.
والحاصل أنه يجب على أخيك طاعة والدك في الاستمرار في الجامعة حتى ينتهي من الدراسة، وليحذر من العقوق؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا في أحاديث تتصدع لها القلوب وترجف لها الأفئدة من شؤم العقوق، وأنه من أسباب دخول جهنم - والعياذ بالله - فقال: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكبر الكبائر - ثلاثًا - قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئًا، فقال: ألا وقول الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت"؛ متفق عليه.
صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة لا ينظر الله - عز وجل - إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المتَرَجِّلة، والدَّيُّوث"؛ رواه أحمد والنسائي وابن حبان، وقوله: "لا يدخل الجنة منانٌ، ولا عاقٌّ، ولا مدمنُ خمر"؛ رواه أحمد والنسائي وكذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف"، قيل: من؟ يا رسول الله قال: "من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة".
والذي يظهر أن ترك الدراسة بعد كل هذه المعاناة من الأهل مع الابن من العقوق.
أما ما يعتري أخاك من شعور بالظلم أو القهر، فهو من الجزع وقلة الصبر، حتى أصبح لا ينظر إلى القدر، فالصبر على المقدور من الإيمان بالقضاء والقدر؛ والله سبحانه أمر من أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر، ولا يتحسر على الماضي، بل يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالنظر إلى القدر عند المصائب، والاستغفار عند المعائب؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22، 23]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [التغابن: 11]، يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال الحبر ابن عباس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/ 178):
"وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان"، فإن الإنسان ليس مأمورًا أن ينظر إلى القدر عندما يؤمر به من الأفعال، ولكن عند ما يجري عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم اصبر عليه وارض وسلم".
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: