بماذا نرد على من يفعل كبائر محتجا بعل الصحابة لها
السلام عليكم السؤال هو ان بعض الصحابه ارتكبوا بعض الكبائر وهم اكثر منا ايمانا فهل يعني هذا اننا من باب اولى سوف نرتكب كبائر لان ايماننا اقل من ايمانهم ام ان هذا القياس غير صحيح. وبماذا نرد على من يفعل كبائر ويقول ان الصحابة فعلوا كبائر.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ
فقد انعقد إجماع أهل السنة والجماعة وأئمة الدين أنه لا عصمة لأحد من الصحابة ولا القرابة، وأن أفضل هذه الأمة هم الصحابة الكرام، ولا يمنع كونهم أفضل سادات الأمة من أن يقع أفراد منهم في الذنب، ولكنهم إنما يقعون في ذلك متأولين، أو يقع الذنب مغفورًا لهم لقوة إيمانهم وصدق توبتهم وبسابقتهم في الإسلام، يبين هذا أنه صلى الله عليه وسلم شهد بالإيمان لبعض المصرين من أصحابه، وكان يضربه على شرب الخمر مرة بعد مرة، كما في صحيح البخاري عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله".
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جلد ماعز في الزنا، قال لأصحابه: "لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم".
إذا عرف هذا فمن احتج على وقوعه في الذنب بأن الصحابة وقعوا في الكبائر، فهو ضال؛ لأن المسلم إن وقوع في الذنب لغلبة الشهوة وقوة الطبيعة، فإنه يواقع الذنب مع كراهته له، من غير إصرار في نفسه، فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه، خائف، مختلج في صدره شهوةُ النفس الذنب، وكراهة الايمان للذنب، فهذا ترجى له مغفرة الله، وصفحه وعفوه؛ فالله تعالى وعد كل من تاب من أي ذنب كان أن يتوب عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "جامع الرسائل لابن تيمية"(2/ 290):
"إذا كان أصل الإيمان صحيحًا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغضٌ لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات وإما عفو وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنًا بحال بل هو كافر أو منافق". اهـ.
هذا؛ ولدحض تلك الشبة التي قد تهون الحرام على بعض الناس أنقل كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام وهو يحرر مسألة وقوع بعض الصحابة في الذنب، فقال في كتابه "منهاج السنة النبوية" (4/ 310-311):
"وذلك أن أهل السنة عندهم أن أهل بدر كلهم في الجنة، وكذلك أمهات المؤمنين: عائشة وغيرها، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير هم سادات أهل الجنة بعد الأنبياء، وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنبًا صغيرًا أو كبيرًا ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين، ولو لم يتب منه فالصغائر مغفورة باجتناب الكبائر عند جماهيرهم، بل وعند الأكثرين منهم أن الكبائر قد تمحى بالحسنات التي هي أعظم منها، وبالمصائب المكفرة وغير ذلك.
وإذا كان هذا أصلهم فيقولون: ما يذكر عن الصحابة من السيئات كثير منه كذب، وكثير منه كانوا مجتهدين فيه، ولكن لم يعرف كثير من الناس وجه اجتهادهم، وما قُدِّر أنه كان فيه ذنب من الذنوب لهم فهو مغفور لهم، إما بتوبة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك؛ فإنه قد قام الدليل الذي يجب القول بموجبه: إنهم من أهل الجنة، فامتنع أن يفعلوا ما يوجب النار لا محالة، وإذا لم يمت أحد منهم على موجب النار لم يقدح ما سوى ذلك في استحقاقهم للجنة، ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يُعلم أن أولئك المعينين في الجنة، لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، ليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين، والعلم بتفاصيل أحوال كل واحد واحد منهم
باطنًا وظاهرًا، وحسناته وسيئاته واجتهاداته أمر يتعذر علينا معرفته، فكان كلامنا في ذلك كلامًا فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام".
إلى أن قال (4/ 312-313):
"ومن علم ما دل عليه القرآن والسنة من الثناء على القوم، ورضا الله عنهم، واستحقاقهم الجنة، وأنهم خير هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس- لم يعارض هذا المتيقن المعلوم بأمور مشتبهة، منها ما لا يعلم صحته، ومنها ما يتبين كذبه، ومنها ما لا يعلم كيف وقع، ومنها ما يعلم عذر القوم فيه، ومنها ما يعلم توبتهم منه، ومنها ما يعلم أن لهم من الحسنات ما يغمره، فمن سلك سبيل أهل السنة استقام قوله، وكان من أهل الحق والاستقامة والاعتدال، وإلا حصل في جهل وكذب وتناقض كحال هؤلاء الضلال". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: