صلة الأخ المؤذي لرحمه
السلام عليكم و رحمه الله وبركاته كنت من العمر ١٧ عندما توفى والدي رحمه الله و اسكن روحه الجنه و كان لديه ٧ من الأبناء، ٤ من ام أخرى( كبار بالعمر ) و ٣ من امي وانا بينهم( صغار بالعمر ) ، و كانت بيننا عدواة و لكن كنا نصلهم و يصلونا إلى وفاة ابي و ازدادت العداوة و لا نعلم السبب حتى انهم رفعوا قضايا بالمحاكم ضد إخوانهم الصغار ، و كانوا يهددوننا و يهددون بقطع الرزق عنا، و مرت السنين على هذه الحال و القضايا لم تنتهي إلى مؤخرا، و كنا نسلم عليهم أينما رأيناهم و لكنهم لا يريدون الصلح و يرجعون بإسائتنا ، فأصبحنا لا نكلم بعض لمده طويله، سؤالي هو : هل نعتبر نحن قاطعين للرحم ام هم ؟ و هل ابي المرحوم سيحاسب يوم الحساب بأبناءه و ما حدث بينهم من فتنه؟ و هل يجب علينا الاستمرار بالمحاوله علما بأنهم يردون علينا بالسوء؟ و شكرا مقدما
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فحقيقة الواصل للرحم هو من يصلها لأجل الله تعالى، تقربًا إليه، وامتثالاً لأمره وإن قطعت، فيتفضل على أرحامه وإن أساؤوا إليه، بخلاف من يصلها حين تصله فذاك مكافئ، وهو من يقابل بمثل ما فعل معه، فصلته معاوضة ومبادلة؛ ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"، وقال أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب: "ليس الواصل أن تصل من وصلك، ذلك القصاص، ولكن الواصل أن تصل من قطعك".
فالواجب عليك صلة إخوانك وإن قطعوك، واحتسب الأجر عند الله تعالى؛ وتذكر النصوص المرغبة في الصلة والمرهبة من القطيعة؛ ويكفي ما رُوِي عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلَق الله - عز وجل - الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فقال: مَهْ! قالتْ: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك، ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]،
وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "لا يدخُل الجنَّة قاطعٌ"؛ يعني: قاطع رحِم؛ متَّفق عليْه.
ومن أكثر الأحاديث الدالة على صلة الرحم التي تلحق الأذى بأرحامها ما رواه مسلم عن أبي هُريْرة - رضي الله عنْه -: أنَّ رجُلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابةً أصلِهُم ويقطعونني، وأُحْسِن إليْهِم ويسيئون إليَّ، وأحلُم عليهم ويَجهلون عليَّ، فقال: "إن كنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تُسِفُّهم الْمَلَّ، ولا يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليْهم، ما دُمْتَ على ذلك".
قال النووي في "شرح مسلم": "ومعناه: كأنَّما تُطْعِمُهم الرَّماد الحارَّ، وهو تشبيهٌ لِما يلحقُهم من الألم بِما يَلْحق آكلَ الرَّماد الحارِّ من الألم، ولا شيء على هذا الْمُحسِن، بل ينالُهم الإثم العظيم في قطيعتِه، وإدخالهم الأذَى عليه، وقيل: معناه: إنَّك بالإحسان إليْهم تُخزيهم وتحقرهُم في أنفسِهم؛ لكثرة إحسانِك وقبيح فعْلِهم، من الخزي والحقارة عند أنفُسِهم، كمن يسفُّ الملَّ، وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحْسانِك كالملِّ يُحرق أحشاءَهم".
ولعلَّه باستِمرارِكِ في دفْع الإساءة بالإحسان والصِّلة يشرحُ الله صدْرَها للحقِّ؛ كما قال - تعالى -: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35].
أما الوالد فلا يحمل من وزر أبنائه شيئًا إلا إن كان هو من دعا إلى القطيعة، وهذا أمر لا يتصور؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وقال سبحانه: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الإسراء: 15].
هذا؛ وصلة الإخوة بر للأب كما دلت عليه السنة المشرفة كما في الأدب المفرد للبخاري عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه"؛ وصححه الألباني،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: