حكم من أعان اليهود على المسلمين

منذ 2019-12-04
السؤال:

السلام عليكم :انسان فلسطيني مسلم يعين اليهود على اخوانه المسلمين ويكسب اموالا طائلة ؛هذا الانسان مات هل يجوز حضور جنازته والترحم عليه (اللهم ارحمه وادخله الجنة)؛وما حكم من صلى عليه وحضر جنازته وترحم عليه مع علمه بما كان يفعل من خيانته للمسلمين

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فلا يستريب من تدبر القرآن والسنة أن الرجل لا يكون مؤمنًا بمجرد تصديق في القلب والنطق باللسان مع موالاة أعداء الله من اليهود، فإن نفس الإيمان والمحبة لله ورسوله توجب بغض أعداء الله؛ كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 81]، فالأقوال والأعمال الظاهرة لازمة ومستلزمة للأقوال والأعمال الباطنة؛ كما في قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، فأخبر أن من كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر لا يوجدون موادين لأعداء الله ورسوله، وأن نفس الإيمان ينافي موالاتهم؛ كما في  قوله: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 80]، فالتلازم بين ما في القلب والجوارح، أمر ضروري، وأن من تمام محبة الله ورسوله بغض من حاد الله ورسوله والجهاد، فإن الإيمان بالله يستلزم مودة الله ومودة رسوله، وذلك يناقض موادة من حاد الله ورسوله، وما ناقض الإيمان فإنه يستلزم عدم الإيمان، فلا يكون مؤمنًا من أعان الكافر على المسلم؛ قال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] ، وقال تعالى:  {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138، 139]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا، وكلها تدل على أن انتفاء الإيمان بموالاة الكفار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/ 16-19):

"من أحوال القلب وأعماله ما يكون من لوازم الإيمان الثابتة فيه بحيث إذا كان الإنسان مؤمنًا؛ لزم ذلك بغير قصد منه ولا تعمد له، وإذا لم يوجد؛ دل على أن الإيمان الواجب لم يحصل في القلب وهذا كقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22]، فأخبر أنك لا تجد مؤمنًا يواد المحادين لله ورسوله؛ فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب.

ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 80]،  فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف لو  التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط؛ فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 81]، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه.

ومثله قوله تعالى يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنًا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم؛ فالقرآن يصدق بعضه بعضًا". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فلا يجوز الترحم على الشخص المذكور، ولا الصلاة عليه، ومن فعل هذا بجهل، فلا شيء عليه،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام