حكم اقرار الموسوس على نفسه بالكفر
اعاني من وسواس الشرك والكفر منذ ثلاثة اشهر تقريبا و كنت اجاهد نفسي عليها ولكن سرعان ما انقضت علي هذه الوسوسة و اصبحت اقول بلساني انا مشرك انا كافر واقررت بهذا و عرفت ان الذي يتحدث بما في نفسه و يقر به يكفر بالله حاولت الاغتسال والتوبة و لكن كانت هذه هي المشكلة الاكبر حيث اني اصبحت متبلد المشاعر ولم استطيع تحصيل الندم الذي يوجب التوبة كل عبادتي اصبحت اوؤديها من غير همة لان المشرك حابط عمله ولا يقبل له شيء منه حاولت استشعار مراقبة الله و تذكر الموت و عذاب النار لكن كل هذا لم ينفع بسبب قساوة هذا القلب هل اذا مت وانا في هذه الحال اكون مشرك وكافر هلا دعوتم الله لي بالهداية والتوبة النصوح وان يتغمدني الله في رحمته قبل الموت
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن من رحمة الله تعالى أنه لا يؤاخِذُ بما يَقَعُ في القلب من الوَسَاوس مهما عظُمت؛ لأن ذلك ليس داخلًا تحت الاختيار، ولا الكسب، وإنما هو من أُلْقِيَاتِ الشيطان، كما أن استِعظام الوسوسة في القلب، والنفرةَ منها، دليل على إيمانِ القلب؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "جاء ناسٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه: إنا نَجِدُ في أنفُسِنا ما يَتَعَاظَمُ أحدُنا أن يَتَكلَّمَ به، قال: وقد وَجَدتموهُ؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريحُ الإيمان"، فهذا الحديث ظاهر الدلالة على أن النُّفرة مما يزينه الشيطاندليل على إيمان صاحبه؛ لأن ستِعظام هذا وشِدَّة الخوفِ منه، ومن النطق به فضلًا عن اعتقاده إنَّما يكونُ لِمَن استَكْمَلَ الإيمان استكمالًا محقَّقًا، وانتفت عنه الرِّيبةُ والشُّكوكُ.
قَالَه الِإمَامُ النَّوَوِي في "شرح مسلم": "قِيلَ: مَعنَاهُ: أَنَّ الشيطانَ إِنَّمَا يُوَسوِسُ لِمَن أَيِسَ مِنْ إِغوائِهِ، فَيُنَكِّدُ عَلَيهِ بِالْوَسوَسَةِ؛ لِعَجزِهِ عَنْ إِغوائِهِ، وَأَمَّا الكافِرُ فَإِنَّهُ يَأتِيهِ مِنْ حَيثُ شَاءَ، وَلَا يَقتَصِرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْوَسوَسَةِ، بَلْ يَتَلاعَبُ بِهِ كَيْفَ أَرَادَ، فَعَلَى هَذَا؛ مَعْنَى الْحَدِيثِ: سَبَبُ الْوَسوَسَةِ مَحْضُ الْإِيمَانِ، أَوِ الْوَسوَسَةُ عَلَامَةُ مَحْضِ الْإِيمَانِ".
إذا عرفت هذان فاصرف عنك تلك الخطرات ولا تسترل معها، فالشيطان إنما يريد أن يُفْسِد دينَك، وعبادَتَك، وإيمانَك بالوسوسة، فادفعُ الوساوس، وأبعدها عن نفسك بقوة، وقطعُ الاسترسال معها، ولا تلتفت إليها، أو الاستسلام لها - هو ما وصَّى به النبي - صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقول: مَنْ خَلَقَ كذا من خلق كذا؟ حتَّى يقول : مَنْ خَلَقَ ربَّك؟ فإذا بلغَه فليَسْتَعِذْ بِالله وليَنْتَهِ"؛ والمعنى: إذا عَرَضَ له الوِسواسُ، فيلْجأْ إلى الله - تعالى - في دفعِ شرِّه، وليُعرضْ عن الفكر في ذلك، ولْيَعلمْ أن هذا الخاطر من وسوسةِ الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد، والإغراء؛ فلْيُعرِضْ عن الإصغاء إلى وسوسته، ولْيُبادرْ إلى قطعِها بالاشتغال بغيرها؛ قالهُ الإمامُ النوويُّ في "شرح صحيح مسلم".
فغاية الشيطان أن يوقع المسلم في المشقة، وأن ويحرِمَة السعادة، فعلى العاقل ألا يتبع خطوات عدوه، وليصدق اللجوء إلى الركن المكين؛ قال - تعالى -: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36]، وقال - تعالى -: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [سورة الناس]، فأدمن الاستعانةِ بالله، والتوكلِ عليه، وصدق اللجوء إليه، واسْأَلْهُ أن يُعِيذَكَ من نزغ الشيطان، فإذا وَرَدَتْ عليك هذه الخواطرُ
ولتحافظ على الأوراد الصحيحية والكلمات الجامعة في الاستعاذةَ من شرِّ الشيطان، ومن شرِّ النفس، مثل: "اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ"، "وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا"، "اللَّهُمَّ أَلْهِمْنَا رُشْدَنَا، وَأَعِذْنَا مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا".
ولتعلم أن الكفر لا يقع بما ذكرت؛ لأن الوسوسة تجعل صاحبها منعدم القصد الذي عليه مدار الحكم،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: