هل يجوز تسمية: عبدة الذكور
اول سؤال: كثير ذي الايام يلقبون شخص يحب شيء كثير بعبد هذا الشي،كمثال: عبدة الذكور /الاناث عبدة فلان عبيد شخص فما الحكم بأن تنادي شخص بعبد لشيء غير الله؟
ثاني سؤال: المفترض انها صديقتي لكنهاألحدت وهذا ماقالته لي فماحكم استمرار علاقتي معها هل يجب علي مقاطعتها؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا يجوز في الشريعة الإسلامية مناداة أحد باسم ينافي العقيدة الإسلام كعبدة الذكور، أو عبد الإناث، أو غيرها من الأسماء التي تتضمن شركًا ظاهرًا، ولو على فرض أنه هو من سمى نفسه بهذا الاسم القبيح، فلا يجوز مناداته به؛ لما في ذلك من إقرار الباطل؛ فالله تعالى خلق الناس ليعبدوه وحده، وهم جميعًا عباده وحده، قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]، بل قد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغيير الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة؛ ففي الصحيح عن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم بدَّل اسم عاصية وقال: "أنت جميلة"، وفي الأدب للبخاري عن هانئ بن يزيد رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك؟"، قال: عبد الحجر، قال: "لا أنت عبد الله"، وحكى أبو محمد بن حزم اجماع العلماء على تحريم كل اسم معبد لغير الله.
وهذا الحكم لا يتعارض مع إطلاق الشارع لفظ: "عبد الدينار، والدرهم"؛ كما في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تعس عبد الدينار، والدرهم، القطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض"، فسماه عبدًا لهذه الأمور فإنه؛ لأنه لو سألها الله فإذا أعطاه إياها رضي؛ وإذا منعه إياها سخط؛ أما عبد الله فهو من يرضيه ما يرضي الله؛ ويسخطه ما يسخط الله؛ ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله؛ ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله تعالى.
فكل إنسان حارث وهمام، ومتحرك بالإرادة، وهي المشيئة والاختيار، ولا بد له من مراد وهو المطلوب والغاية، وهو الذي يذل له الطالب ويحبه، فمنهم ما يكون عبد ما يرضيه وجوده، ويسخطه فقده حتى يكون عبد المال والملابس؛ لأنه علق قلبه به وصار مستعبدًا له، وربما صار معتمدًا على غير الله= فلا يبقى معه حقيقة العبادة لله، ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه من العبادة لغير الله، ومن التوكل على غير الله وهذا من أحق الناس بحديث أبي هريرة السابق، كم بينه شيخ الإسلام
ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/ 35-36): "فإذا تدبر الإنسان حال نفسه وحال جميع الناس، وجدهم لا ينفكون عن هذين الأمرين: لا بد للنفس من شيء تطمئن إليه وتنتهي إليه محبتها؛ وهو إلهها، ولا بد لها من شيء تثق به وتعتمد عليه في نيل مطلوبها هو مستعانها؛ سواء كان ذلك هو الله أو غيره، وإذا فقد يكون عامًا وهو الكفر، كمن عبد غير الله مطلقا، وسأل غير الله مطلقا، مثل عباد الشمس والقمر وغير ذلك الذين يطلبون منهم الحاجات، ويفزعون إليهم في النوائب، وقد يكون خاصًا في المسلمين، مثل من غلب عليه حب المال، أو حب شخص، أو حب الرياسة، حتى صار عبد ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم "تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة: إن أعطي رضي، وإن منع سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش"، وكذلك من غلب عليه الثقة بجاهه وماله، بحيث يكون عنده مخدومه من الرؤساء ونحوهم، أو خادمه من الأعوان والأجناد ونحوهم، أو أصدقائه، أو أمواله هي التي تجلب المنفعة الفلانية وتدفع المضرة الفلانية، فهو معتمد عليها ومستعين بها، والمستعان هو مدعو ومسؤول، وما أكثر ما تستلزم العبادة الاستعانة، فمن اعتمد عليه القلب في رزقه ونصره ونفعه وضره؛ خضع له وذل؛ وانقاد وأحبه من هذه الجهة، وإن لم يحبه لذاته لكن قد يغلب عليه الحال حتى يحبه لذاته، وينسى مقصوده منه؛ كما يصيب كثيرًا ممن يحب المال، أو يحب من يحصل له به العز والسلطان، وأما من أحبه القلب وأراده وقصده؛ فقد لا يستعينه ويعتمد عليه إلا إذا استشعر قدرته على تحصيل مطلوبه؛ كاستشعار المحب قدرة المحبوب على وصله.
فصارت الأقسام أربعة: إما أن يعبد غير الله ويستعينه - وإن كان مسلمًا - فالشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، وإما أن يعبده ويستعين غيره، مثل كثير من أهل الدين، يقصدون طاعة الله ورسوله وعبادته وحده لا شريك له؛ وتخضع قلوبهم لمن يستشعرون نصرهم؛ ورزقهم، وهدايتهم، من جهته: من الملوك والأغنياء والمشايخ، وإما أن يستعينه - وإن عبد غيره - مثل كثير من ذوي الأحوال؛ وذوي القدرة وذوي السلطان الباطن أو الظاهر، وأهل الكشف والتأثير؛ الذين يستعينونه ويعتمدون عليه ويسألونه ويلجئون إليه، لكن مقصودهم غير ما أمر الله به ورسوله، وغير اتباع دينه وشريعته التي بعث الله بها رسوله. والقسم الرابع: الذين لا يعبدون إلا إياه؛ ولا يستعينون إلا به". اهت.
وقال مجموع الفتاوى (10/ 180)
وقال أيضًا (10/ 181): "فرضاهم لغير الله وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو بصورة، ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده فهو عبده، ولهذا يقال: العبد حر ما قنع، والحر عبد ما طمع، وقال القائل: أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حرًا، ويقال: الطمع غل في العنق قيد في الرجل، فإذا زال الغل من العنق، زال القيد من الرجل؛ ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "الطمع فقر واليأس غنى، وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه" . اهـ.
غير أن ما ذكرنا لا يبيح تسميته بعبد ما يذل وخضع له، فتدبر.
اما هجر صديقتك التي وقعت في الإلحاد، فإن ذلك راجع إلى المصلحة، فإن كنت تستطيعين نفعها بالنصح، وبيان ما هي عليه من ضلال، وارسال ما يبين له خطأ ما هي عليه من مواد مسموعة أو مقروءة= فيجوز لك حينئذ عدم الهجر، بشرط أن يكون عندك من الإيمان ما تدفعين به الشبهات عن نفسك، وأما إن كنت لا تستطيعين نفعها، أو تخشين على نفسك، أو كانت معرضة عن النصح، فالهجر هو المتعين،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: