دعائي لا يستجاب
السلام عليكم.. منذ اكثر من سنتين وانا ادعو بشئ دونيوي لا اثم فيه ولا حرمانيه .. اخذت بكل الاسباب بدايه من السعي والجهد والمذاكره والسهر ثم الاخذ بكل الاسباب اللي اوصانا به الله ورسوله في القران والسنه.. الاستغفار ومحاوله استحضار نيه اني استغفار ليغفر الله ذنبي اولا وتقل ذنوبي التي تحجب دعائي.. الصلاه الابراهميه فبها تنحل بها العقد.. الدعاء فالثلث الاخير من الليل بقدر المستطاع.. الثقه واليقين بالله حيث كل مره لا اوفق فيها واحزن ويكسر خاطري اقوم مره اخري ويتجدد املي فالله وارجع بقوه للدعاء مره اخري واري ان هذا نابع من يقيني ان الامر الذي استصعبه لن يقضي الا باللجوء لله.. الصدقات خاصه صدقات السر.. ربي غني عني وعن كل هذا مني لكن انا التي احتاج فضله وكرمه ورحمته واستجابه دعائي فلذلك اخذ بكل الاسباب.. حتي الاستخاره كلما استخرت رايت تيسيرا بسيطا في بدايه الامر مبدائيا ثم ترحع الامور وتتعقد مره اخري .. حدث هذا اكثر من مره وعلي فترات متباعده للاستخاره.. قلت يا ربي لعل الامر الذي لا ادعو به فيه شر لي.. فاصرفه عني تماما ولا تعلقني به بس بلاش اعيش الحيره دي لا عارفه اكمل ولا عارفه اوقف السعي فالامر الالوان رماديه والامور غير واضحه تاره تتيسر ثم بعد اليير تاتي عقده كبيره توقف الامر .. بدات فالاونه الاخيره احس بانكسار خاطر وكان قلبي يسال الله لماذا يا كريم حجبت عني توفيقك فلا اشترط كيفيه معينه لاستحابته كل ما تطلبته بعد معاناه الانتظار والفشل عده مرات ومرات انه اذا كان خير يسره واتمه علينا وان كان شر اصرفه بشكل مباشر وصريح وقاطع.. ما زلت فالحيره والامور معقده فاذا استخرت تيسرت مبدائيا ثم عادت لتقف مره اخري.. ماذا علي ان افعل.. اخاف علي نفسي من فتنه عدم استحابه الدعاء.. خايفه ربنا يزعل مني.. اي نصيحه واقعيه اكون شاكره جدا
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالعقيدة الإسلامية حق يعتنق لذاته، بانفعال القلب للنور والهدى الذي يتلقى عن الله، والعقيدة تحمل أجرها في ذاتها، وحساب الربح والخسارة وإن كان يصلح في التجارة، إلا أنه لا يصلح لعقيد المؤمن الراضي بكل ما يناله من السراء والضراء، إنما هي إسلام المخلوق للخالق، وليست صفقة في السوق بين بائع وشارٍ، والذي ينقلب على وجهه عند مس الفتنة يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى وراحة البال.
والمؤمن يعبد ربه شكرًا له على هدايته إليه، وعلى اطمئنانه للقرب منه والأنس به، فإن كان ثمّ جزاء فهو فضل آخر من الله، كما أن المؤمن لا يجرب الله؛ فهو مؤمن بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
والتوجه إلى الله بالعبادة، ودعاؤه والتضرع إليه، مما يشفي الصدور من الكبر الذي تنتفخ به، والله- سبحانه- يفتح لعباده أبوابه لنتوجه إليه وندعوه، وقد كتب على نفسه الاستجابة لمن يدعوه، وينذر الذين يستكبرون عن عبادته بما ينتظرهم من ذل وتنكيس في النار؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
فالدعاء هو إخلاص القلب لله، والثقة بالاستجابة مع عدم اقتراح صورة معيَّنة لها، أو تَخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال، فالتوجُّه للدعاء هو محض فضل وتوفيق مِن الله تعالى، والاستجابة فضل آخر، والله تعالى حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء، فهما مُتوافقان مُتطابقان.
وعلى العبد أن يدعو ربه ولا يستعجله، فهو سبحانه يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم وهو الغني عن العالمين.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستعجال ففي الصحيحَين عن أبي هُرَيرة: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ، فيقول: قد دعوتُ فلا، أو فلم يُستجَب لي"، وفي رواية لمسلم: "لا يَزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رَحِم، ما لم يستعجِل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسِر عند ذلك ويدَعُ الدعاء"، وقوله: "فيَستحسِر"؛ أي: يَنقطع عن الدعاء.
فاستجابة الله تعالى لمن دعاه أمرٌ مِن وعد الله الذي لا يتبدَّل، ولكن الاستجابة تتنوَّع، فتقع بعين ما دُعِي به، أو بعوضه، أو بادِّخار الأجر، وقد يَختار الله تعالى له برحمته القائمة على الحكمة غير ما سأل، فيَدفع عنه من البلاء، وقد يدَّخر له في الآخرة الأجر والثواب، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم وأهليهم؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث؛ إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذًا نُكثِر، قال: "الله أكثر"؛ رواه أحمد والحاكم.
ولكنَّ الإنسان خُلق عَجولًا يُبادر الأشياء، ويستعجل وقوعها، ويُريد تحقيق كل ما يخطر له وإن كان فيه هلاكه، أو ضرره وإيذاؤه، ولما كان الله تعالى يعلم ما يصلح لعبده كان الواجب على العبد أن يوكل الأمر كله لله فلا يتعجَّل قضاءه، فالإيمان ثقة وصبر واطمئنان، ولا يقطع رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحبُّ الملحين في الدعاء؛ لأنه من أعظم العبادة؛ لما فيه من الخضوع والافتقار، فكلُّ داعٍ يستجاب له ولكن تتنوع، والله تعالى أمرَنا أن ندعو الله - ونحن موقنون بالإجابة - وأن نحزِم المسألة؛ لأن الله لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قديرٌ، ولكنَّ الدعاء - وإن كان من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب - إلا أنه قد يتخلفُ عنه أثرُه؛ إما لضعفِه في نفسه؛ بأن يكون دعاءً لا يحبُّه الله؛ لِمَا فيه من العدوان، وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله، وجمعيَّته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرِّخو جدًّا؛ فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورَيْنِ الذُّنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة، والسهو، واللهو، وغلبتها عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/ 192):
"الدُّعَاءُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِجَابَةَ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي اقْتِضَائِهَا الْإِثَابَةَ، وَكَسَائِرِ الْأَسْبَابِ فِي اقْتِضَائِهَا الْمُسَبَّبَاتِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ عَلَامَةٌ وَدَلَالَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ الْمَسْؤولِ لَيْسَ بِسَبَبٍ، أَوْ هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، لَا أَثَرَ لَهُ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ؛ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، بَلْ مَا يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ، يَحْصُلُ بِدُونِهِ، فَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَلَّقَ الْإِجَابَةَ بِهِ تَعْلِيقَ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فَعَلَّقَ الْعَطَايَا بِالدُّعَاءِ تَعْلِيقَ الْوَعْدِ وَالْجَزَاءِ بِالْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "إنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعَاءِ، فَإِذَا أُلْهِمْتُ الدُّعَاءَ؛ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَهُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَأَيْضًا؛ فَالْوَاقِعُ الْمَشْهُودُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَيُبَيِّنُهُ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ، وَقَدْ أَخْبَرَ - سُبْحَانَهُ - مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75]، وقَوْله - تَعَالَى -: {وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 78، 79]، وَقَوْلِهِ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62]، وقَوْله - تَعَالَى - عَنْ زَكَرِيَّا: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 80]، وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرِّ إذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى: 33 - 35]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَوْبَقَهُنَّ؛ فَاجْتَمَعَ أَخْذُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَعَفْوُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا، مَعَ عِلْمِ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِهِ أَنَّهُ مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ؛ يَعْلَمُ الْمُورِدُ لِلشُّبُهَاتِ فِي الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الرَّبِّ، وَقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ - أَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ لَهُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ؛ كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13]؛ فَإِنَّ الْمَعَارِفَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي النَّفْسِ بِالْأَسْبَابِ الِاضْطِرَارِيَّةِ أَثْبَتُ، وَأَرْسَخُ مِنْ الْمَعَارِفِ الَّتِي يُنْتِجُهَا مُجَرَّدُ النَّظَرِ الْقِيَاسِيِّ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ هُوَ سَبَبٌ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ الْمَسْئُولِ، لَيْسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا هُوَ عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
الْأَمْرُ هُوَ سَبَبٌ - أَيْضًا - فِي امْتِثَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، فَالدُّعَاءُ سَبَبٌ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ، فَإِذَا كَانَ أَقْوَى مِنْهُ، دَفَعَهُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْبَلَاءِ أَقْوَى لَمْ يَدْفَعْهُ، لَكِنْ يُخَفِّفُهُ، وَيُضْعِفُهُ، وَلِهَذَا؛ أُمِرَ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالْآيَاتِ بِالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ".
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: