مسألة الحاكمية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، من الأمور الكبرى الخلافية بين أهل العلم في هذا العصر وهي مسألة الحاكمية والوقائع تظهر بعد إتفاقية سايكس بيكو أن أمة الإسلام إنقسمت لكانتونات متعددة لها حكام محليون يحكمونها بما شاؤو أو بما فرض عليهم من الكفار ولم تعد أمة الإسلام جماعة واحدة وبالتالي لايوجد حاكم شرعي يحكم بشريعة رب العباد عزوجل وبالتالي حتى أهم شروط الجهاد التي سطرها بعض أهم العلم وهو أن يكون حاكم متمكن هو من يعلن النفير ووو لا تتوفر وبعض أهل العلم قال الجهاد ماض إلى قيام الساعة ولو لم يكن هناك حاكم فما حكم المسلم الذي يهاجر من الكانتون الذي يتواجد به إلى كانتون أخر يحتله الكافر المحارب للإسلام كفلسطين مثلا أو آراكان أو الشام وغيرها بنية الجهاد وقتال العدو الصائل ودفع شره بقدر مايستطيع ذلك المسلم ؟؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجهاد في بلاد المسلمين المغتصبة فرض عَيْن على كل مسلم قادر من أهل البلد المغتصب، فإن لم يتأدَّ الواجب، وهو دفع العدو وطرده بهم - كما هو حاصلٌ الآن - دخل في حكم الوجوب مَنْ يليهم من المسلمين، عرباً أو عجماً، وهكذا حتى يأذن الله بالتخلص من العدو، أو يعمَّ جميع الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، وقد أجمع على هذا أهل العلم قديمًا وحديثًا.
وإذا صار الجهاد عينيّاً؛ فليس لوجوبه شرطٌ سوى القدرة؛ فيخرج الولد دون إذن والده، والمَدِينُ دون إذن دائنه! وهكذا.
فالحرب التي تشنها دول الكفر على فلسطين وسورية والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، هي قتالٌ بين دولة الغرب الكافر - وبلد إسلامي؛ قال – تعالى -: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190]، وقال: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191]، وقال – تعالى -: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} [النساء: 91]، وقال - تعالى -: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 39-40].
وقد قاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشركين في غزوة أحد لما قدموا لمقاتلته، وتجهز لقتال الأحزاب حين أحاطوا بالمدينة، وغير ذلك من مواقفه - صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ (ابن باز) – رحمه الله – كما في "مجموع فتاوى ومقالات ابن باز" : "فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات؛ بل هو أفضل ما تقرَّب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض, وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين، وإعلاء كلمة الدين, وقمع الكافرين والمنافقين, وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين, وإخراج العباد من الظلمات إلى النور, ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين, وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين.
وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفِّز الهمم العالية, ويحرِّك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل, والصدق في جهاد أعداء رب العالمين, وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي عن الباقين, وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية، التي لا يجوز للمسلم التخلُّف عنها إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام, أو حصر بلدَه العدو, أو كان حاضراً بين الصفين، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة.
ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله - تعالى -: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 41-45]".
ولا يخفى أن الجهاد أعمُّ من القتال، وهو يتعدد بتعدد جبهات القتال، فهناك الجهاد بالسلاح - وهو ذِرْوَة سَنَام الإسلام - وهناك الجهاد بالمال، وهناك الجهاد بالإمداد، وهناك جهادٌ بالإعلام .. وهكذا يتكامل دور الأمة في حماية بَيْضة الإسلام ودفع عدوِّه، كلٌّ على ثَغْره.
وليتق الله كل مسلم، وليكن حذراً أن يؤتى الإسلام من قِبَلِه، وعلى المجاهدين - أيّاً كان جهادهم - إخلاص النية لله رب العالمين، فيجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا؛ قال – صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا؛ فهو في سبيل الله"؛ متفقٌ عليه من حديث أبي موسى.
وقال – صلى الله عليه وسلم -: "ومَنْ قاتل تحت راية عِمِّيَّة، يغضب لعُصْبَة، أو يدعوا إلى عُصْبَة، أو ينصر عُصْبَة، فقتل؛ فقتلةُ جاهليةٌ"؛ رواه مسلم.
هذا؛ والجهاد يتعيَّن في ثلاث حالات:
1- إذا هجم العدو على بلاد الإسلام، ولم يمكن دفعه إلا بجهاد المسلمين جميعاً، وأما إذا استطاع أهل البلد دفعه؛ صار فرض عين عليهم فقط، كما سبق تفصيله.
2- ذا استنفر الإمام طائفةً أو أهل بلد، تعيَّن عليهم؛ لما في "الصحيحين"، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيّةٌ، وإذا استُنْفرتم فانفروا".
3- إذا التقى الصفَّان، وكان عدد الكفار لا يزيد على ضعفَي عدد المسلمين، ولم يبلغ المسلمون اثني عشر ألفاً؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يغلب قومٌ عن قلَّة، يبلغون أن يكونوا اثني عشر ألفاً"؛ رواه الإمام أحمد واللفظ له، والترمذي والدرامي من حديث ابن عباس.
ثم إنَّ على إخواننا المجاهدين - أينما كانوا - أن يحذروا كلَّ الحذر من الانشقاق والانقسام، وأن يعلموا أن العدو سيظل في اندحار ما داموا هم متفقين متحدين، فإذا انقسموا ضعفت شوكتهم، وتجرَّأ عليهم عدوهم؛ قال – تعالى -: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] كذلك يجب الحذر لمن أراد نصرتهم أن يقع في قبضة عملائهم قبل أن يصل لساحة الوغى فمن غلب على ظنه ذلك منع من النصرة.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: