زواج المتعلق بالرضاع
السلام عليكم زوجتي ارضعت ابنت اخوها مع ابنتي مرتين، هل يجوز لابني الزواج من ابنت خاله التي رضعت مع اخته الصغرى مرتين افيدونا جزاكم الله خيرا وياحبدا بما تنص به المداهب الاربعة مشكورين مسبقا
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد أجمع الأئمة على أنَّ حُرمة الرَّضاعة تَثبتُ بِخَمس رضَعاتٍ فصاعدًا، واختلفوا فيما دونَها؛ فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ قليلَ الرّضاع وكثيره يحرِّم، وإنْ كان مصّةً واحدةً، وهو رواية عن أحْمد وكثيرٍ من الصّحابة والتَّابعين، فضابط التحريم عندهم هو وصول اللَّبن إلى جوف الطِّفل، سواء كان قليلاً أو كثيرًا؛ واحتجّوا بالعمومات النصوص؛ كقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، وبأنَّ اسم الرَّضاع بصدق على القيل.
وذهَبَ الشّافعيَّةُ والحنابلة في القَول الصَّحيح عندهم إلى أنَّ ما دون خَمس رضعاتٍ لا يؤثِّر في التَّحريم، وهو الراجح التي دلت على الأدلة الخاصة، وهو مرويٌّ عن عائشة وابْنِ مسعودٍ وعبدالله بْنِ الزُّبير - رضي الله عنهم - وقال به عطاءٌ وطاوس؛ واستدلُّوا بما روى مسلم وأبو داود والنَّسَائِي من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحَرِّمن، ثم نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومات؛ فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يُقْرَأ مِنَ القُرآن".
وفي الصحيح - صلى الله عليه وسلَّم -: "لا تُحَرّم المصَّة ولا المصَّتان".
وروى أبو داود في قصَّة سهلة بنت سُهيل حين "أمَرَها النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن تُرْضِعَ سالِمًا من أجل أن تحرم عليه، فأرضَعَتْه خَمس رضَعات فكان بِمَنزلة ولدِها من الرَّضاعة"، "وكانت أم المؤمنين عائشة - رضِي الله عنها - تأمرُ بناتِ أخواتِها وبنات إخْوتِها أن يُرْضِعنَ مَن أحبَّت عائشةُ أن يراها ويدْخُل عليها وإن كان كبيرًا خَمسَ رضَعات"، ورواه البخاري ومسلم مُختصرًا.
وهذه الأدلة تدلُّ على أنَّ المستقِرّ عند الصحابة أنَّ التحَريم لا يثبت إلا بخَمسُ رضعات.
ويشتَرَطُ في الرَّضَعات الخَمس الشِّبَع، والمُعْتَمد في الرَّضعة هو العُرف، ومِمَّا عدَّه الفقهاء رضعةً أن يلتَقِمَ الصبيُّ الثَّديَ ويَمتصّه ثم يتركه مُعْرِضًا عنه،
قال في "المغني" (8/ 171): "المسألة الأُولى: أنَّ الَّذي يتعلَّق به التَّحريم خَمس رضَعاتٍ فصاعدًا، هذا الصَّحيح من المذْهب، قال: وهو مذهبُ الشَّافعي ... والمرجِع في معرفة الرَّضعة إلى العُرف؛ لأنَّ الشَّرع ورَد بِها مطلقًا ولم يُحَدّدها بزَمَنٍ ولا مِقدار، فدلَّ ذلك على أنَّه ردَّهم إلى العُرف، فإذا ارتضع الصَّبيّ وقَطَع قطعًا بيِّنًا باختِياره كان ذلك رضعةً، فإنْ عادَ كانَتِ رضعة أخرى، فأمَّا إن قطع لضِيق نَفس أو للانْتِقال من ثَديٍ أو لِشيء يُلْهِيه أو قَطَعَتْ عليه المُرضعة فإنْ لَم يَعُدْ قريبًا فهِي رضعة، وإن عاد في الحال ففيهِ الوجهان، أحدُهُما أنَّ الأوَّل رضعةٌ فإذا عاد فهي رضعةٌ أُخرى، قال: والوجهُ الثَّاني: أنَّ جَميع ذلك رضعةٌ، وهو قول الشَّافعيّ" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا ارتَضَع الرَّضيع من المرأة خمس رَضَعات في الحَوْلين صارت المرأة أمَّه، وصار زوجُها الذي جاء اللَّبن بوَطِئه أباه؛ فصار ابنًا لكلٍّ منهما من الرَّضاعة، وحينئذٍ فيكون جميع أولاد المرأة من هذا الرَّجل ومِن غيره، وجميعُ أولادِ الرَّجُل منها ومن غيرها إخوةً له، سواء وُلِدوا قبل الرَّضاع أو بعدَه، باتِّفاق الأئمة". اهـ.
إذا تقرر هذا، فيجوز لك لابنك أن يتزوج ابنة خاله؛ لأن الرضعنين لا تنشر الحرمة،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: