حلفت إيمانًا كثيرة ومتنوعة

منذ 2020-03-11
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... شيخنا الكريم... لدي بعض الاسئلة .. أرجو الصبر على أسئلتي وطولها ...وجزاكم الله عنا خيرا كثيرا .. أما بعد : أنا كنت قد حلفت على أن لا أفعل شيئا وكفرت عنه وتكرر الامر أكثر من مرة وكل مرة أكفر .. ولكن في مرة حلفت وفعلت ذات الشيء ولم أكفر ثم حلفت بعده ولم أكفر وحلفت بعدها ولم أكفر .. وتكرر الامر ... فهل علي كفارة لكل مرة حلفت فيها ثم حنثت؟ .. هذه كلها كانت ايمانات لنفس الامر ... وتكررت ايضا مثل هذه الايمانات مع امور اخرى وحتى الان لم اكفر عنها فما الحكم بارك الله فيكم ؟ ... أما سؤالي الثاني فهو غريب قليلا ... حيث أنني حلفت على ترك معصية ما ثم حلفت على أن لا أحنث عن يميني التي حلفتها .. ثم حلفت على أن لا أحنث عن اليمين التالية هذه ثم حلفت على الثالثة وهكذا حتى كثرت .. فهل يجب أن أكفر كل واحدة على حدة؟ اعذرونا على الاطالة وجزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالراجح من أقوال أهل العلم أن الواجب على من حلف أيمانًا متعددة على نفس الشيء، كفارة واحدةٌ عندَ الحنث،  ما دام متعلّقها واحدًا، وهو قول جُمهور أهْلِ العِلم فنصوا على أنَّ: الأيْمانَ المُكرَّرة على شيء واحدٍ لا تلزم فيها عند الحنث إلا كفَّارةٌ واحدة، واستدلّوا بما رواه عبد الرزاق والبيهقي وابْنُ حزْمٍ بسند صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إذا أقسمت مرارًا فكفَّارةٌ واحدةٌ.
وذهب الحنفيَّة في المُعْتَمَد إلى أنَّها أَيمانٌ مُتَعدّدة، فتجب كفارةٌ لكل يمين.

وذهب بعضُ المالكيَّة وبعضُ الشافعيَّة إلى أنَّه إن قَصَدَ الحالِفُ التَّأكيدَ، فعليه كفَّارةٌ واحدةٌ، وإن قَصَدَ الاسْتِئْناف، فعليه كفارةٌ لِكُلّ يمين.

أما من حلفَ ثُمَّ حَنثَ، فإنَّه تلزمه كفارةٌ، فإن عادَ وحلفَ على نفس الشيء وحنث لزمتْهُ كفَّارةٌ أخرى.

قال أبو مُحمَّد بْنُ حزمٍ "المحلى": "إن حلفَ أيمانًا كثيرةً على شيءٍ واحدٍ, مثل أن يقول: بِاللَّه لا كلَّمْتُ زيدًا, والرَّحمنِ لا كلَّمتُه, والرَّحيم لا كلَّمتُه, بِاللَّه ثانيةً لا كلَّمتُه, بِالله ثالثةً لا كلَّمتُه - وهكذا أبدًا في مجلسٍ واحدٍ, أو في مجالسَ متفرّقة, وفِي أيَّام متفرقة - فهي كلها يمينٌ واحدةٌ - ولو كرَّرها ألفَ ألفِ مرَّة - وحِنثٌ واحدٌ، وكفَّارة واحدةٌ، ولا مزيد.

وقدِ اختلَفَ السَّلفُ في هذا -: رُوّينا من طريق حمَّاد بْنِ سلمة عن أبان عن مجاهد قال: "زوَّج ابْنُ عُمَر مَملوكَهُ من جاريةٍ له, فأراد المملوكُ سفرًا، فقال له ابْنُ عُمر: طلّقها؟ فقال المملوك: واللَّه لا طلَّقْتُها، فقال له ابْنُ عمر: واللَّه لَتُطَلّقنَّها - كرَّر ذلك ثلاثَ مرَّات - قال مُجاهدٌ لابْنِ عُمر: كيف تصنع؟ قال: أُكفّر عن يَميني, فقُلْتُ له: قد حَلَفْتَ مِرارًا؟ قال: كفَّارة واحدة".

ومِنْ طريقِ عبدالرزَّاق عن سُفيانَ الثَّوريّ عن مجاهدٍ عنِ ابْنِ عُمَرَ قال: "إذا أقسمْتَ مِرارًا فكفَّارة واحدة".

ومن طريقِ إبراهيم النخعي: "إذا ردَّد الأيمانَ فهي يمينٌ واحدة".

وعن هِشام بْنِ عُروةَ أنَّ أباهُ "سُئِلَ: مَن تعرَّضَتْ له جاريةٌ له مِرارًا، كُلَّ مرَّةٍ يَحْلِف بِالله أن لا يَطَأَهَا؟ ثُمَّ وَطِئَها؟ فقال له عُروة: كفَّارة واحدة".

ومن طريق حمَّاد بن سلمة عن قيسِ بن سعدٍ عن عطاءٍ قال: "كفَّارة واحدة إذا حَلَفَ في أمْرٍ واحد, فِي مجالسَ شتَّى.

ومن طريق عبدالرزَّاق عن مَعمر عن الزُّهري قال: "إذا حلف في مجالسَ شتَّى، قال: كفارة واحدة". قال: وأخبرني مَن سَمع عِكرمة يقولُ مثل هذا.

ومن طريق حمَّاد بن سلمة، عن حُميدٍ وقتادةَ عنِ الحسن قال: "كفَّارة واحدة إذا حلف في أمرٍ واحدٍ في مجالسَ شتَّى".

وهُو قولُ الأوزاعيّ, ومالكٍ, وأحمَدَ، وإسحاقَ, وأبي سُليمانَ, وأبي عُبيدٍ, وأحدُ قوْلَيْ سُفيانَ الثَّوْرِيّ.

 ورُوّينا عنِ ابْنِ عُمر وابن عباس: "إذا أكَّد اليَمينَ فعِتْقُ رقبة" ... قال عُثمان البَتّيّ وأبو ثور: "إن أراد التّكرار فيمينٌ واحدةٌ، وإن أرادَ التَّغليظَ فلِكُلّ مرَّة كفَّارة".

إذا تقرر هذا؛ فإن كان الحال كما ذكرت، فإن ما قمت به من حلف لا يخرج عن إحدى الحالات الآتية:

الأولى: أن يحلف اليمين الثانية - أو ما زاد عنها - قبل الحنث باليمين الأولى، فهذا عليه كفارة واحدة على الراجح من أقوال العلماء.
والثانية: أن يحلِفَ اليمينَ الثانيةَ بَعْدَ الحِنْثِ في الأولى وقبل التَّكْفِيرِ عنها، فهذا تلزمه بكل حنث كفارة.
والثالثة: أن يحلف اليمينَ الثانية بعد الحنث في الأولى والتكفير عنها، فهذا تلْزَمُه كفارةٌ ثانيةٌ.

أمَّا كفَّارةُ اليمين؛ فهِي أحدُ أربعةِ أمور:

1 - إطعام عَشَرَةِ مساكينَ من أوسط ما تطْعَم أنتَ وأهلُك مِنْهُ، ولذلك عِدَّة صُور – منها: أن تُعْطِي كُلَّ واحدٍ مِنْهُم مُدًّا مِنْ غالِبِ قُوت أهْلِكَ، ومنها: أن تُغَدّيهم أو تُعَشّيهم حتَّى يَشْبَعُوا، ومنها: أن تدفعَ لهم قيمةَ الطعام إن كان ذلك أصلحَ لِلفقراء.

2 - كسوة عشرةِ مساكينَ؛ يُعطى كُلُّ واحدٍ منهم ثوبًا.

3 - عِتق رقبةٍ؛ عبدًا أو أَمةً.

وهذه الأمورُ الثلاثة على التخيُّر، يَفعَلُ الحانِثُ أيَّها شاء.

 4 - صيامُ ثلاثة أيام، إن عَجَزَ الحانث عن الإطعام أوِ الكِسوة أوِ العتق فورًا وجب عليه الصيام، فإنْ كان عليه أيمانٌ مُتَعدّدة، وكان قادرًا على الإطعام أو الكسوة أوِ العِتْق على الفور عن بعضها دون بعض، تَعيَّن عليه الإطعامُ أو الكسوة أو العتق فيما كنتَ قادرًا عليْهِ وتعيَّن عليك الصيام عن ما كنتَ فيه غيرَ قادر على الإطعامِ أوِ الكسوة أوِ العِتق

  قال تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام