هل تدخين المخدرات حرام
هل تدخين المخدرات حرام
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا يشتبه على مسلم سليم الحس حرمة المخدرات؛ فالعقل الصريح والفطرة السليمة - التي لم تَفْسَد بالشهوات، ولا باتِّبَاعِ الهوى - يستقبحان المخدرات، ومن تأمل أضرار المخدرات على النفس والمجتمع علم أن اثبات حرمتها لا يحتاج إلي إقامة برهان عليها، فقد حَرَّمَ الله - سبحانه وتعالي - ما هو أقل منها فَسَاداً وأقل منها فُحْشاً وقُبْحاً؛ وإن لم يكن فيها أنها تفسد أهم أعضاء الإنسان والتي سيحاسب على حق هذه الأعضاء ويسأل على كل شىء، حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى:
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، فسعادة الانسان بصحة هذه الاعضاء الثلاثة التي تغيبها المخدرات، وشقاوته بفسادها؛ قال ابن عباس يسأل الله العباد فيما استعملوا هذه الثلاثة السمع والبصر والفؤاد.
فتأثير المخدرات على قوى العقل بالغة الخطورة؛ كما يذكر المختصُّون، ومن أهم خصائصها الهلوسةُ، التي تُصيب متعاطيها؛ لأنها - كما ذكر الأطباء - تُؤثِّر على الجهاز العصبي المركزي لسرعة وصولها من الرئة للدم، ومنه إلى أنحاء المخ، فيبدأ في الشعور بالاسترخاء والنعاس والابتهاج والانتعاش والمرح والهلوسة، ثم بضعفٍ في القدرة على التركيز والانتباه، وخللٍ في التوازن الحسي والحركي إلى غير ذلك مما تجدينه مفصلًا في "الموسوعة الحرة ويكيبيديا".
وهناك أمر آخر لا يقل خطورة عن خطر المخدرات، وهو أن تجَّار تلك المحرَّمات يغشُّونها بموادَّ مجهولة الهُوِية والتركيب، تُؤثِّر في الغالب على قوى إدراك العقل، وقد لاحظنا هذا في أنواع الجرائم التي يرتكبها متعاطوها، ولاحظناها أيضًا في المدمنين، فمهما عُولجوا يبقى فيه بقايا من الخبل وضعف العقل.
أما حكمها الشرعي، فهي كالخمر في التحريم وقد أجمع العلماء على حرمتِها منذ ظهورها من قرون كثيرة، ونصُّوا على أنه ينطبق عليها جميع أحكام الخمر، ومِن أقوى الأدلة على ذلك ما رواه مسلم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مُسكرٍ خمر، وكل مسكر حرام، ومَن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمِنها لم يَتُبْ، لم يشربها في الآخرة"، والخمر: ما خامر العقل، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ولا عبرة بمَن يقول: إن القليل منها لا يُسكر؛ لأن القاعدة الشرعية أن "ما أسكر كثيره، فقليله حرام"؛ كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/425): "أكل هذه الحشيشة الصلبة حرام, وهي مِن أخبث الخبائث المحرمة، وسواء أكل منها قليلًا أو كثيرًا"؛ انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية" (4/233) - وهو يتحدث عن الحشيشة -: " والأصل في تحريمِها ما رواه أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، قال العلماء: المفتر كل ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الحديث فيه دليلٌ على تحريم الحشيش بخصوصه، فإنها تسكر وتخدر وتفتر، ولذلك يكثر النوم لمتعاطيها، وحكى القرافي وابن تيمية الإجماع على تحريمِها، قال: ومَن استحلها فقد كفر، قال: وإنما لم تتكلم فيها الأئمة الأربعة رضي الله تبارك وتعالى عنهم؛ لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في آخر المائة السادسة وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار". اهـ..
وفي حاشية العبادي على تحفة المحتاج (9/167): "والمراد بالشارب المتعاطي شربًا كان أو غيره، وسواء فيه المتفق على تحريمه والمختلف فيه، وسواء جامده ومائعه، مطبوخه ونِيئه". اهـ.
وعليه، فتدخين المخدرات محرم، للأضرار البالغة لها في تدمير العقل، وهلاك النفوس، وتفكك الأسرة، وخراب المجتمع؛ فالمناسب لحكمة أحكم الحاكمين هو تحريم تناول تلك السموم،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: