معنى كلام أهل العلم في عدم قبول توبة الزنديق
السلام عليكم اود استفساركم فقد قرأت ان توبة الزنديق مقبولة و هذا ما ذكرتم و ذكره الأئمة ولكن قرات ما نصه : في ارشاد ابن عقيل رواية عن الامام احمد لا تقبل توبة الزنديق باطنا و ضعفه فما معنى ذلك؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالزنديق: هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فهو بمعنى المنافق في الصدر الأول؛ وقد نصّ على ذلك كثيرون من أهل العلم.
أما قبول توبة الزنديق في مذهب الإمام أحمد فعنه روايتان، إحداهما: لا تقبل، بل يقتل بكل حال، وهي المذهب، ونصرها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وقال: إنها أنص الروايات عنه.
والرواية الثانية: تقبل توبته كغيره من المرتدين، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار الخلال وأخر قولي الإمام أحمد؛ كما تجده في: "الروايتين"(2/305)، "المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين" (2/ 305)، "التمام للروايتين" (2/200)، "المغني"(12/269)، "إعلام الموقعين"(3/131، 132)، "الفروع" (6/170)، وغيرها.
وبين في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف"(27/ 138-140) أن معنى عدم قبول التوبة يعني في الظاهر لنا؛ بمعنى أنه يقتل على كل حال وأمره إلى الله إن كان صادقًا أو كاذبًا؛ فقال: "محل الخلاف المتقدم، في عدم قبول توبتهم وقبولها، في أحكام الدنيا؛ من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام، فأما في الآخرة، فإن صدقت توبته، قبلت، بلا خلاف؛ ذكره ابن عقيل، والمصنف، والشارح، وجماعة. وقدمه في "الفروع"، وفي "إرشاد ابن عقيل" رواية، لا تقبل توبة الزنديق باطنًا، وضعفها، وقال: كمن تظاهر بالصلاح، إذا أتى معصية وتاب منها". اهـ.
وقال في "المغني"(2/ 478): "معناه: لا يسقط عنه القتل الذي توجه عليه؛ لعدم علمنا بحقيقة توبته؛ لأن أكثر ما فيه أنه أظهر إيمانه، وقد كان دهره يظهر إيمانه، ويستر كفره، فأما عند الله عز وجل، فإنها تصح إذا علم منه حقيقة الإنابة، وصدق التوبة، واعتقاد الحق". اهـ.
وقال أيضًا(9/ 6-7): "(الفصل الخامس: المرتد إذا تاب قبلت توبته، ولم يقتل): أن مفهوم كلام الخرقي، أنه إذا تاب قبلت توبته، ولم يقتل، أيُّ كفر كان، وسواء كان زنديقًا يستسر بالكفر، أو لم يكن، وهذا مذهب الشافعي، والعنبري، ويروى ذلك عن علي، وابن مسعود، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار أبي بكر الخلال، وقال: إنه أولى على مذهب أبي عبد الله.
والرواية الأخرى، لا تقبل توبة الزنديق، ومن تكررت ردته، وهو قول مالك، والليث، وإسحاق، وعن أبي حنيفة روايتان، كهاتين، واختار أبو بكر أنه لا تقبل توبة الزنديق؛ لقول الله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160]، والزنديق لا تظهر منه علامة تبين رجوعه وتوبته؛ لأنه كان مظهرًا للإسلام، مسرًا للكفر، فإذا وقف على ذلك، فأظهر التوبة، لم يزد على ما كان منه قبلها، وهو إظهار الإسلام". اهـ.
ونصّ أيضًا على هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في "الفتاوى الكبرى"(1/ 114): "وأما الذنوب التي يطلق الفقهاء فيها نفي قبول التوبة، مثل قول أكثرهم: لا تقبل توبة الزنديق وهو المنافق، وقولهم: إذا تاب المحارب قبل القدرة عليه تسقط عنه حدود الله، وكذلك قول كثير منهم أو أكثرهم في سائر الجرائم، كما هو أحد قولي الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد.
وقولهم في هؤلاء إذا تابوا بعد الرفع إلى الإمام لم تقبل توبتهم، فهذا إنما يريدون به رفع العقوبة المشروعة عنهم، أي لا تقبل توبتهم بحيث يخلى بلا عقوبة، بل يعاقب، إما لأن توبته غير معلومة الصحة، بل يُظن به الكذب فيها، وإما لأن رفع العقوبة بذلك يفضي إلى انتهاك المحارم، وسد باب العقوبة على الجرائم، ولا يريدون بذلك أن من تاب من هؤلاء توبة صحيحة فإن الله لا يقبل توبته في الباطن، إذ ليس هذا قول أحد من أئمة الفقهاء، بل هذه التوبة لا تمنع إلا إذا عاين أمر الآخرة.
كما قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 17، 18] الآيةَ، قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقالوا لي: "كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب".
وبين في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 344) الحكمة من عدم قبول توبة الزنديق في الظاهر: "... هذا الرجل قد قام الدليل على فساد عقيدته وتكذيبه به، واستهانته له، فإظهاره الإقرار برسالته الآن ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا، وهذا القدر بطلت دلالته، فلا يجوز الاعتماد عليه، وهذه نكتة من لا يقبل توبة الزنديق". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ ظهر لك منعى كلام أهل العلم في عدم قبول توبة الزنديق،، والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: