بين شهواتي والتوبة

منذ 2020-04-11
السؤال:

السلام عليكم انا شابة ابتليت بمشاهده الافلام المخلة وترك الصلاة احاول ارجع لا استطيع لكن عندما اترك الافلام والمسلسلات والاغاني ارجع اصلي واترك الافلام المخلة لكن المشكلة هي اني لا اريد ان اترك الاغاني والمسلسلات والصلاة اصبحت ثقيلة علي اخاف ان اكون من الذين كره الله انبعاثهم فثبطهم صار ايماني قليل واخاف اموت وانا على معصيتي كرهت نفسي وللمعلومية منذ صغري وانا لا اصلي فاحاول ان ادرب نفسي بس مره كسولة ماذا افعل ؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن ما تحتاجين إليه لصلاح حالك، وتحقيق الاستقامة، والثبات عليها، هو صدق اللجوء إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة، ومجاهدة نفسك في ذات الله تعالى، واستفراغ الطاقة والوسع في مخالفة النفس والشيطان؛ وقد وعد الله بالعون على ذلك فقال سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت: 69]، وطلب الهداية والعون من الله - تعالى -  على طاعته؛ فإنّ الله تعالى إذا هَدى العبد إلى الصراط أَعانَه على طاعته وترْك معصيته، فلم يُصِبْه شرٌّ لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ ولهذا كان دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]، أنفَع الدعاء وأعظمه وأحكمه؛ لأن الذنوب من لوازم النفس البشرية، والإنسان محتاج إلى الهدى كلَّ لحظة أكثر من حاجته إلى الطعام والشرب؛ ومن ثمّ أمَر بهذا الدعاء في كلِّ صلاة لفرط الحاجة إليه، حتى يحصل له الخير ويدفع عنه الشر.

قال الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد"(3/ 5) وهو يبين شدة حاجة العبد لجهاد النفس:

"وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده، كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته، وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله، فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه، ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده، ومعصية أمره، وارتكاب نهيه، فإنه يعد الأماني ويمني الغرور، ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء، وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر، وأخلاق الإيمان كلها، فجاهده بتكذيب وعده، ومعصية أمره، فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان، وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله؛ لتكون كلمة الله هي العليا". اهـ.

هذا؛ ووسائل للثبات على الاستقامة كثيرة يصعب حصرها، وسألخص لك بعضًا منها:

الدعاء بالهداية والاستِقامة والثَّبات عليهما؛ فالدعاء من أعظم الأسباب الجالبة للخير، والمانعة من الشر، وهذا مسلكُ المؤمنين، كما حكَى الله عنهم في القرآن الكريم؛ قال - سبحانه -: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، وقال - تعالى -: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة: 250]، وكان من دعائه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أعوذ بك من شرِّ نفسي وشرِّ الشيطان وشركه"، "يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك" .

منها: قراءة القرآن بتدبُّر؛ فالله - تعالى - يقول: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]، وقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].

منها: الابتِعاد عن المعاصي والذنوب جملةً، ولا يعني هذا أن يصير المسلم معصومًا، ولكن كلَّما استخفَّكِ الشيطان وقهرَتْك نفسك، فافزَعِي إلى الله بالتوبة، وأخذ النفس بالقوة وحملها على الابتعاد عن مثيرات الشهوة من الأغاني والمسلسلات وغيرها مما حرمه الله، فهي تستدعي الشَّهوة وتؤجِّجها، وتذْكي نارَها، حتى توقع في مهاوي الرَّذيلة.

منها: المحافظة على واجبات الشريعة، لا سيَّما الصلاة في أوقاتها، وعدم التفريط في شيءٍ منها، مع الالتِزام بسائر أحكام الشرع؛ فالله - سبحانه - يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]، أي: ما وظف عليهم في كلِّ وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفَّروا نفوسهم للقِيام به وتكميله، وبركة الحفاظ على الطاعات الهداية إلى الصِراط المستقيم، ومَن هُدِي إلى صراط مستقيم فقد وُفِّق لكلِّ خير، واندَفَع عنه كلُّ شر.

مع الإكثار من صيام النوافل؛ لأن الصوم يضعف مجاري الشيطان؛ وفي الصحيحين عن  عبدالله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيَتَزَوَّج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لَم يَستَطِعْ فعليه بالصوم، فإنه له وِجاء"، وقوله: وجاء: أي قاطع للشهوة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب غير المتزوج بالصوم، ولو كان الاستمناء جائزًا لأرشد إليه.

منها: قراءة سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقصص الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين، ففيها عِبَرٌ وحياةٌ للقلب؛ كما قال - تعالى -: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].

منها: اختِيار صحبة صالحة من المؤمنين، فهذا ممَّا يشدُّ الأزر في الالتِزام والتمسُّك بالدين، وعلى قمع نوازع الشر في النفس؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مثَل الجليس الصالح والجليس السوء كمَثَل صاحب المسك وكير الحدَّاد، لا يَعدَمك من صاحب المسك إمَّا تشتريه أو تجد ريحَه، وكير الحدَّاد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة".

ومنها: عدم الانبساط مع أهل المعاصي، والانعزال عنهم شعوريًا لمن يحتاج إلى الاختلاط به. قال الإمام ابن القيم في كنابه "مدارج السالكين" (2/ 338):

"... فهو حفظ حالك وقلبك مع الله، ودوام إقبالك عليه بقلبك كله، فأنت معهم مسترسل بشبحك ورسمك وصورتك فقط، ومفارقتهم بقلبك وسرك، مشاهدا للمعنى الذي به حياتك، فإذا فارقته كنت كالحوت إذا فارق الماء، فإن هذا المعنى هو حياة القلب والروح، فإذا فات العبد علته الكآبة، وغمره الهم والغم والأحزان، وتلون في أفعاله وأقواله، وتاه قلبه في الأودية والشعاب، وفقد نعيم الدنيا والآخرة". اهـ.

ومنها: إدمان ذكر الله الله تعالى فإنه يقوى القلب والبدن، ويزيد اليقين في الله تعالى والتوكل عليه، ومن أعظمه المواظبة على قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإن بها تكابد الأهوال وتنال رفيع الدرجات.

قال في الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 77): "أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعه وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً، وقد علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة وعلياً رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين، لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك وقال: "إنه خير لكما من خادم" فقيل أن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يذكر أثراً في هذا الباب ويقول: إن الملائكة لما أمروا بحمل العرش قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قالوا حملوه.

وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق، والدخول على الملوك، ومن يخاف، وركوب الأهوال.

 وكان حبيب بن سلمة يستحب إذا لقي عدواً أو ناهض حصناً قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنه ناهض يوماً حصناً للروم فانهزم، فقالها المسلمون وكبروا فانهدم الحصن". اهـ.

والحاصل أن النجاة لن تكون إلا بالفِرار إلى الله بصدق، والتوبة النصوح والعزم الأكيد على عدم العود، وتقطع النفس بالندم على ما فات، وأخْذ النفس بالشِّدَّة وعدم التَّهاون،، والله أعلم.

 

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام