حكم قراءة القرآن جماعة بعد الفجر والمغرب
ماحكم قراءة القرآن جماعة في المسجد بعد صلاة الصبح والمغرب وشكرا
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله أشرف المرسلين، ثم أما بعد:
فإن كان مراد السائل قراءة القرآن بصفةٍ جماعيَّة، وبصوتٍ واحدٍ بعد صلاة الصبح والمغرب - أو غيرها من الصلوات - فهو بدعةٌ مردودةٌ على أصحابها؛ لإنه لم يثبت فعلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه – رضوان الله عليهم، وإنما الثابت عن النبي والصحابة أنه كان يقرأ كلُّ واحدٍ لنفسه، وكلما فرغ واحدٌ قرأ الآخر واستمعوا له؛ وهكذا، وعلى هذا يفهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السَّكِينَةُ، وغَشِيَتْهم الرحمةُ، وحَفَّتْهُم الملائكةُ، وذكرهم اللهُ فيمَن عنده"؛ رواه مسلمٌ.
فهذا الحديث يدل على استحباب الاجتماع في بيوت الله لتلاوة القرآن، ولكن لا يفهم منه القرآءة بصوت واحد؛ وإلا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو لمرة واحدة لبيان الجواز.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/ 426): "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ، والناس يستمعون. وكان عمر يقول لأبي موسى: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون لقراءته". اهـ.
وقال أيضًا - رحمه الله -: "فقراءة القرآن كلُّ واحدٍ على حِدَتِهِ أفضلُ من قراءته مجتمعين بصوتٍ واحد، فإن هذه تسمَّى (قراءة الإدارة)، وقد كرهها طوائفٌ من أهل العلم: كمالك وطائفة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم.
ومن رخص فيها - كبعض أصحاب الإمام أحمد - لم يقل إنها أفضل من قراءة الانفراد يقرأ كل منهم جميع القرآن... وليس في القراءة بعد المغرب فضيلة مستحبة يقدم بها القراءة في جوف الليل أو بعد الفجر، ونحو ذلك من الأوقات، فلا قربة في تخصيص مثل ذلك بالوقت". اهـ.
وقال الطرطوشي في "الحوادث والبدع": "هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له، والتعلُّم والمذاكرة، وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم، أو يقرأ المُعَلِّم على المُتَعَلِّم، أو يتساويا في العلم؛ فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة، هكذا يكون التعليم والتعلُّم، دون القراءة معاً".
أما إن كان كل واحد يقرأ ويتم الآخر فلا بأس به، ولكن بدون أن يعتقد أن في تخصيص هذين الوقتن فضلاً عن غيرهما؛ كما سبق في كلام شيخ الإسلام، وبشرط ألا تتخذ عادة دائمة.
وقال ابن مُفْلِح في "الفروع": "ولو اجتمع القوم لقراءةٍ ودعاءٍ وذِكْرٍ، فعنه: أيُّ شيءٍ أحسن منه! وعنه: لا بأس. وعنه: مُحْدَثٌ. ونقل ابن منصور: ما أكرهُهُ إذا لم يجتمعوا على عَمْدٍ, إلا أن يُكْثِروا. قال ابن منصور: يعني يتخذوه عادةً. انتهى. ذكر المُصَنِّفُ في "آدابه الكبرى" نصوصاً كثيرةً عن الإمام أحمد، تدلُّ على استحباب الاجتماع للقَصَص, وقراءة القرآن, والذكر. قلتُ: الصواب أن يُرجع في ذلك إلى حال الإنسان, فإن كان يَحْصُلُ له بسبب ذلك ما لا يَحْصُلُ له بالانفراد، من الاتِّعاظ، والخشوع، ونحوه؛ كان أوْلى, وإلا فلا". اهـ.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى": "الاجتماع لذِكْر الله، واستماع كتابه، والدعاء، عملٌ صالحٌ، وهو من أفضل القُرُبات والعبادات في الأوقات ... لكن ينبغي أن يكون هذا - أحياناً - في بعض الأوقات والأمكنة؛ فلا يُجْعَل سُنَّةً راتبةً يُحافظ عليها إلا ما سنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المداومة عليه في الجماعات؛ من الصلوات الخمس في الجماعات، ومن الجُمُعات والأعياد .. ونحو ذلك".
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- المصدر: